نشر موقع "الحرة" تقريراً تحت عنوان: "تدفق الكبتاغون مستمر رغم سقوط العرّاب"، وجاء فيه:
كشفت أحدث عملية ضبط للقوات العراقية لشحنة كبتاغون قادمة من سوريا عن قدرة عصابات المخدرات العابرة للحدود على التكيف مع المتغيرات في دول المنشأ أو العبور، لتثير أيضاً علامات استفهام حول سبب استمرار تدفق المخدرات من سوريا رغم سقوط نظام الأسد، الذي كان، مع حلفائه، عرّاب هذه العصابات.
وفي 16 آذار الجاري، قالت وزارة
الداخلية العراقية إن قوات الأمن ضبطت ما يقدَّر بنحو 1.1 طن من حبوب الكبتاغون المخدرة، مخبأة داخل شاحنة دخلت العراق من
سوريا عبر تركيا، بعد عملية تعقب ورصد بناءً على "معلومات مهمة جدًا من إدارة المخدرات في المملكة
العربية السعودية".
ورغم وعود الإدارة
السورية الجديدة بمكافحة التهريب، فإن استمرار تدفق المخدرات عبر الحدود أثار تساؤلات عديدة بشأن مصادر إنتاج المواد المخدرة ومسارات التهريب، ومدى التنسيق الاستخباراتي بين الدول، لا سيما بعد تلقي بغداد معلومات مهمة من
السعودية أدت إلى اعتراض الشحنة.
وقال المتحدث باسم المديرية العامة لمكافحة المخدرات التابعة لوزارة
الداخلية العراقية، حسين التميمي، لموقع "الحرة"، إن المديرية شكّلت فريق عمل بناءً على المعلومات الواردة من
السعودية، وتمكنت من ضبط شحنة من الكبتاغون.
كذلك، ألقت القوات العراقية القبض على ثلاثة من المتورطين في المتاجرة بهذه الشحنة، اثنان منهم من الجنسية العراقية وآخر سوري، وفق التميمي.
وأضاف أن شحنة الكبتاغون كانت قد نُقلت من شاحنة إلى أخرى، حيث تم إخفاؤها داخل بعض المواد المعدة للتصدير، ثم دخلت إلى العراق عبر منفذ إبراهيم الخليل في قضاء زاخو التابع لمحافظة دهوك تحت رقابة دقيقة من الجهات الحكومية المعنية، ليتم ضبطها لاحقًا داخل الأراضي العراقية.
وأشار المتحدث باسم المديرية إلى أن الجهود مستمرة على كافة المستويات لمتابعة عمليات تهريب المخدرات على الحدود العراقية، وبمستوى عالٍ من التنسيق، خاصة بعد فتح قنوات تعاون مع دول المنطقة لملاحقة هذه المواد المخدرة والعمل على إلقاء القبض على المتاجرين بها.
الكبتاغون.. حرب غير معلنة
وقالت مسؤولة قاعدة بيانات ضبطيات الكبتاغون في قسم تتبع تجارة المخدرات في معهد نيولاينز الأمريكي، رؤى عبيد، لموقع "الحرة"، إن الإدارة
السورية الجديدة عازمة على ألا تعود
سوريا مصدرًا للكبتاغون، وهذا ما أعلنته الإدارة الجديدة التي أكدت أنها ستقضي على هذه التجارة نهائياً.
وبعد سقوط الأسد، أوقفت الإدارة الجديدة منشآت ومستودعات لتصنيع وتخزين المواد المخدرة في ريف دمشق ومحافظات حمص وحماة واللاذقية، وكان من أبرزها مستودع في اللاذقية، حيث تم ضبط نحو 100 مليون حبة كبتاغون، حسب قولها.
وأوضحت عبيد أن حجم إنتاج المخدرات تحت مظلة نظام الأسد، في مستودع واحد بمدينة اللاذقية، يوازي أربعة أضعاف ما تم ضبطه في الأردن خلال سنة 2024، حيث أعلنت الأردن عن ضبط 27 مليون حبة كبتاغون دخلت أراضيها.
وأكدت عبيد أن خطورة المخدرات لا تنتهي بضبط مثل هذه الكميات وإتلافها، فالإدارة
السورية الجديدة لم تبحث أو تعتقل الأشخاص المسؤولين عن صناعة الكبتاغون من المصنعين والكيميائيين، وطالما هؤلاء الأشخاص أحرار، فإنهم قد يكونون أداة لعمليات إنتاج جديدة من حبوب الكبتاغون بأساليب وطرق تهريب جديدة.
وبالإضافة إلى المنشآت التي تم ضبطها، تم الوصول أيضاً إلى عشرات المستودعات الكبيرة قرب الحدود
السورية اللبنانية، التي كان يُصنَّع فيها الكبتاغون ويتم تخزينه فيها أيضاً، بحسب مسؤولة قاعدة بيانات ضبطيات الكبتاغون في قسم تتبع تجارة المخدرات في معهد نيولاينز.
أما في جنوب
سوريا، وتحديداً في مناطق محافظة السويداء المحاذية للحدود الأردنية، فلم تعلن الإدارة
السورية الجديدة عن إغلاق أي منشأة أو مستودع، على الرغم من التصريحات التي تحدثت عن وجود نحو 100 منشأة خاصة بتصنيع الكبتاغون.
ورغم غياب الحماية الأمنية التي كان يوفرها نظام الأسد لتصنيع الكبتاغون وتوفير المواد الأولية لإنتاج المخدرات بطريقة سهلة جداً، فإن هذه التجارة لن تنتهي بشكل كامل.
ومن المحتمل أن يشهد الإنتاج والتهريب انحساراً في المرحلة المقبلة، حيث ستعتمد عصابات المخدرات على آليات جديدة لصناعة الكبتاغون لحين التأكد من إمكانية استئناف نشاطها من جديد في بيئة آمنة لها، وفقاً لعبيد.
وأوضحت عبيد أن طرق إخفاء حبوب الكبتاغون في الشحنة التي تم ضبطها مؤخراً في العراق تشير إلى أن مصدر هذه الحبوب هو
سوريا، حيث تم استخدام الأسلوب نفسه الذي كان قد استُخدم سابقًا لإخفاء المخدرات.
وهذه الطريقة تشبه تلك التي استُخدمت لإخفاء الحبوب المخدرة التي تم العثور عليها في مستودع اللاذقية، وهذا يعني أن شحنة العراق التي تم ضبطها هي جزء من مخزون أُنتج سابقاً.
وعلى مدار السنوات الماضية، أعلن العراق عن ضبط العديد من شحنات المخدرات، كان جزء كبير منها قادمًا من
سوريا، ومن أبرز تلك الضبطيات، كانت شحنة تحتوي على أكثر من 16 مليون حبة كبتاغون، تعادل عدة أطنان، وكانت قادمة من الإمارات ومصدرها الهند، بحسب ما قالت عبيد.
وأكدت عبيد أن مستودعات الكبتاغون التي كشفتها الإدارة
السورية الجديدة يعد دليلاً على جديتها في مواجهة هذه التجارة، وسعيها للحد من كون الأراضي
السورية نقطة انطلاق لتصنيع وتهريب المخدرات إلى دول المنطقة.
واعتبرت عبيد أن من أبرز العوامل التي يمكن أن تسهم بتحجيم هذه التجارة هو إيقاف وصول المواد الأولية المستخدمة في تصنيع حبوب الكبتاغون، فضلاً عن إلقاء القبض على المصنعين وتطبيق أشد العقوبات عليهم.
وبحسب آليات قسم تتبع المخدرات في معهد نيولاينز الأميركي، تُعد السوق الخليجية من أكبر الجهات المستهلكة للمخدرات وخاصة الكبتاغون، لارتفاع هامش الربح، إذ ترى عبيد أن الطرق التي سيسلكها المهربون ستكون عبر الأردن والعراق، نظراً لوجود حدود مشتركة بين هاتين الدولتين والسعودية، ما يسهل عمليات التهريب إلى المملكة، ومنها إلى الأسواق الخليجية بشكل عام.
وأشار قسم تتبع المخدرات في نهاية عام 2023 وعام 2024، محاولات لإنشاء معامل لتصنيع حبوب الكبتاغون والكريستال داخل الأراضي العراقية، إذ ضبطت وزارة
الداخلية حسب بيانات القسم 5 معامل أحدهما مصنع كبير جداً، بغية تهريب المخدرات إلى الخليج.
بدوره، قال الباحث في الشؤون الأمنية والعسكرية بمركز حرمون في
سوريا، نوار شعبان، إنه في عام 2017، تحولت
سوريا من مجرد معبر للمخدرات إلى موقع لتصنيعها.
وكان نظام الأسد قد قدم في تلك الفترة تسهيلات لوجستية وأمنية لشبكات كانت تقوم بصناعة هذه المواد المخدرة، إضافة إلى وجود شبكات أخرى تنتج الكبتاغون بمعزل عن نظام الأسد، وفي عام 2019، أصبح النظام نفسه من بين منتجي المخدرات، حسب شعبان.
وأضاف أن صناعة المخدرات في
سوريا تتم عبر شبكات إجرامية كبيرة، بما فيها تلك التي كان يتبناها ويدعمها نظام الأسد، ومع سقوط هذا النظام، توقف جزء من عمليات تصنيع المواد المخدرة وبيعها في السوق
السورية وتهريبها إلى دول الجوار.
لكن هناك شبكات أخرى كانت قد انتجت المخدرات في السابق، وربما لا تزال تنتج الكبتاغون، وترتبط بشبكات أخرى تعمل على تهريب إنتاجها حاليًا، بمعنى آخر، كان نظام الأسد جزءًا من شبكة إجرامية ضخمة، إذ لاتزال الجهة الموردة للمواد الأولية للكبتاغون والجهة الطالبة لهذه المواد المخدرة قائمة.
ولفت الباحث في الشؤون الأمنية
السورية إلى أنه مابعد سقوط نظام الأسد تم ضبط 24 موقع في
سوريا مخزن فيها حبوب الكبتاغون المخدرة، إضافة إلى ضبط شحنة كانت معدة للتهريب إلى الأردن تقدر بنحو 7 مليون حبة كبتاغون.
ويشير هذا إلى وجود مخزون هائل من المخدرات تم تخزينه بعد سقوط نظام الأسد، كما تم ضبط عدد من معامل تصنيع الكبتاغون، أغلبها في منطقة ريف دمشق، حسب قوله.
وأوضح أنه في الوقت الراهن لا توجد مصانع محلية تنتج حبوب الكبتاغون، حيث أن الشبكات الإجرامية تعمد إلى عدم لفت الانتباه إلى أنشطتها في هذه المرحلة، لكنها تمتلك القدرة على إنتاج حبوب الكبتاغون في الوقت نفسه.
وتبحث هذه الشبكات، بحسب شعبان، عن طرق مختلفة وجديدة لتهريب إنتاجها من المخدرات، خاصة في ظل استمرار الطلب على هذه المواد.
وشدد على أهمية توقيع اتفاقيات تعاون دولية لمكافحة المخدرات في المنطقة، مؤكدًا أنه دون هذه الاتفاقيات سيستمر الوضع كما هو، مع استمرار عمليات التهريب، كما أن ضبط هذه الشحنة من الكبتاغون في العراق يعكس وجود شحنات أخرى قد تكون مرت بالفعل حسب رأيه.
وأضاف شعبان أنَّ كميات حبوب الكبتاغون التي تم ضبطها بعد سقوط نظام الأسد وصلت إلى قرابة 10 مليون حبة، حيث أن هذه الإحصائية لا تشمل جميع الكميات التي تم ضبطها، إذ لم يتم التصريح عن كامل المخزون الذي عثر عليه في عدة مواقع في
سوريا.
ورأى الباحث الأمني أن شبكات تصنيع وتهريب المخدرات ترتبط بدور تخريبي في المنطقة بأسرها، وأنها تعتمد على التمويه كوسيلة أساسية لتهريب المواد المخدرة، ربما بطرق غير مألوفة، وقد تتبنى هذه الشبكات أساليب جديدة في تهريب المخدرات بهدف تفادي الاكتشاف.
وفي ما يخص عمليات كشف مواقع صناعة حبوب الكبتاغون المخدرة في
سوريا، أكد الباحث أن تلك المخازن لم يتم اكتشافها في سياق عمليات مكافحة المخدرات، بل من خلال عمليات أمنية خاصة، وهو ما يستدعي تكثيف الجهود الأمنية على مستوى عالٍ لمكافحة تصنيع المخدرات داخلياً، بالإضافة إلى تعزيز التنسيق مع دول المنطقة كافة لمكافحة تهريبها.
حرب عراقية قائمة على المخدرات
وكان معهد "نيولاينز" الأميركي قال، في تقريره الصادر بنهاية عام 2024، أن الحكومة العراقية قد عززت من عملياتها الأمنية في العام ذاته، مما أسفر عن تصاعد ملحوظ في عمليات ضبط المخدرات واعتقال تجار المخدرات، خاصة فيما يتعلق بتجارة حبوب الكبتاغون.
وأشار التقرير إلى تمكن قوات الأمن العراقية من تفكيك نحو 230 شبكة إجرامية محلية ودولية كانت تنشط داخل العراق خلال السنوات الثلاث الماضية، كما أفاد أن القوات الأمنية العراقية قد صادرت أكثر من 28 طنًا من المخدرات وملايين الحبوب المخدرة.
من جهة أخرى، لفت التقرير إلى أن استهلاك مادة الكريستال المخدرة في العراق، خاصة في المناطق الفقيرة، بلغ 37.3 بالمئة، فيما يشكل تعاطي حبوب الكبتاغون نحو 34.5% من إجمالي تعاطي المخدرات. (الحرة)