يجد
لبنان نفسه اليوم في قلب زوبعة سياسية وأمنية تفرضها متغيّرات إقليمية متسارعة، وسط ضغوط أميركية متزايدة لحسم موقعه في خارطة تحالفات جديدة ترسم في المنطقة، عنوانها: إنهاء دور المقاومة، توحيد السلاح تحت سلطة الدولة، والتطبيع التدريجي مع
إسرائيل.
في هذا السياق، تواصل الإدارة الأميركية تحركاتها من خلال مبعوثها الخاص إلى
سوريا ولبنان توماس باراك، الذي يستعد لزيارة
بيروت مجددا في السابع والثامن من تموز الجاري. ومن المتوقع أن يطلع على الموقف الرسمي اللبناني من ورقة مكتوبة كان قد نقلها إلى المسؤولين اللبنانيين في زيارته الأخيرة، وتضمنت تفكيك الترسانة العسكرية لـحزب الله والفصائل الأخرى، وتحسين العلاقات بين بيروت ودمشق، مع الالتزام بتنفيذ إصلاحات مالية شاملة.
وتقترح الوثيقة الأميركية جدولا زمنيا لتسليم السلاح ينتهي كحدّ أقصى بحلول نهاية العام، مقابل انسحاب تدريجي للقوات
الإسرائيلية من مناطق جنوبية لا تزال تحتلها. وتشمل المقترحات أيضا آلية تحت إشراف
الأمم المتحدة لضمان الإفراج عن أسرى لبنانيين لدى إسرائيل، ورفع الحظر عن أموال مخصّصة لإعادة إعمار مناطق تضررت في المواجهات الأخيرة، خصوصا في الجنوب.
وتشير مصادر دبلوماسية إلى انه على الرغم من أن خطة باراك لم تحظ بعد بموافقة رسمية من الحكومة الإسرائيلية، فإن الأخير يواصل الدفع بها انطلاقا من اعتقاده بأن اللحظة السياسية الراهنة تتيح هامشا غير مسبوق للمناورة. وتشير المصادر إلى أن التقاطعات الإقليمية والدولية من الانشغال الأميركي بإعادة ترتيب أولويات
الشرق الأوسط، إلى انكفاء قوى إقليمية عن المواجهة المباشرة تشكل فرصة نادرة ينبغي اغتنامها. وهو يدرك(باراك) أن مثل هذه اللحظات، التي تتقاطع فيها مصالح متعددة لا تتكرر كثيراً
وتشير مصادر مطلعة إلى أن اللجنة المصغرة المكلفة بلورة رد رسمي لم تنجز مهمتها بعد، وأن النقاش لا يزال في مراحله الأولية، بانتظار تنسيق أوسع بين أركان الدولة، خصوصا أن رئيس الجمهورية يسعى لحصر النقاش بمستوى الرؤساء الثلاثة لتفادي تباينات قد تفشل الموقف اللبناني الموحد.
في المقابل، يتمسك
حزب الله وحركة أمل بموقفهما الرافض لمبدأ نزع السلاح من خارج سياقه الوطني والتوافقي. ويعتبران أن حصرية السلاح وردت في البيان الوزاري وخطاب القسم، ولا داعي لاتفاقات جديدة، لا سيما وأن المطلوب، بحسب حزب الله، هو
التزام إسرائيل المسبق بالانسحاب من المواقع التي احتلتها، وأن توقف الأعمال العدائية، والالتزام بالقرار الدولي 1701 وأن تحترم السيادة
اللبنانية، وأن تطلق الأسرى اللبنانيين المعتقلين مع تشديد مصادره على ان الحزب حريص على أداء يساعد
الدولة على ان يكون موقفها التفاوضي قوياً وغير ضعيف.
أما على خط دمشق، فتشير تقارير إلى تحوّل تدريجي في موقف النظام السوري الذي بدأ يظهر انفتاحًا على خطوات تطبيعية مع إسرائيل، في إطار اتفاقات رسمت خلف الكواليس ضمن مسار إقليمي أوسع، وبحسب اعلام العدو الاسرائيلي تجري مفاوضات سرّية بين سوريا وإسرائيل برعاية أميركية، تشمل اتفاقًا أمنيًا أوليًا وتطبيعًا تدريجيًا. فالرئيس السوري أحمد
الشرع يبدي مرونة غير مسبوقة، وسط ضغوط من الرئيس
الاميركي دونالد ترامب على اسرائيل، مع احتمال توقيع اتفاق مبدئي قبل نهاية العام يشمل الجولان والعلاقات الثنائية. وعليه ما تقدم يعزز، بحسب مصادر دبلوماسية، من ضغط
واشنطن على بيروت لتحديد موقفها: هل ستسير مع المنطقة نحو التسوية الكبرى، أم تختار الاستمرار في موقعها الراهن، مع تشديد مصادر سياسية بارزة على ان لبنان الرسمي يشدد دوماً على أن اتفاقية الهدنة تبقى مفتاح الحل الوحيد.
وعليه ، فإن الأسابيع المقبلة ستحمل الجواب اليقين، في ظل مهل زمنية ضاغطة حددتها واشنطن، أبرزها مهلة الأول من تموز للردّ الأولي على الوثيقة، وتشرين الثاني لنزع السلاح.