كتب
سعيد مالك في" نداء الوطن": نصّت المادة 109 من النظام الداخلي لمجلس النواب تاريخ 18/10/1994، على أنّه للرئيس (أي لرئيس مجلس النواب) طرح الاقتراح المُعجّل المُكرّر على المجلس، في أوّل جلسة يعقدها بعد تقديمه، حتّى لو لم يُدرج في جدول الأعمال.
والسؤال المطروح، هل إنّ نصّ المادة المذكورة "أنّه للرئيس" يمنحه حقًا استنسابيًّا في طرح الاقتراح المُعجّل المُكرّر على
الهيئة العامة، في أوّل جلسة يعقدها المجلس بعد تقديمه، حتى لو لم يُدرج في جدول الأعمال، أم في عدم طرحه والاحتفاظ به في أدراج المجلس؟
وبالتالي، هل الصلاحية المُناطة برئيس المجلس في طرح الاقتراح من عدمه، تُعتبر صلاحية مُقيّدة أم استنسابية أو مُطلقة؟ وللجواب عن هذا السؤال، لا بُدّ من تعريف الصلاحية المُقيّدة، وتمييزها من الصلاحية المُطلقة. بتاريخ 17/11/2006 أصدرت
هيئة التشريع والاستشارات في
وزارة العدل رأيًا في الاستشارة رقم 696/2006 (وكانت الهيئة مؤلّفة من السادة القُضاة "الرئيس
شكري صادر" والقاضيين "
أنطوان بريدي" و "جويل فوّاز") جاء فيها ما حرفيّته: "وحيث إنّ الفقه والاجتهاد يُجمعان على القول إن السلطة تتمتّع بصلاحيّة مُقيّدة في كلّ مرّة يُلزمها القانون بأن تتّخذ قرارًا ما على نحوٍ مُعيّن، دون أن يترك لها أي هامش أو حرّية في
الاختيار بين عدّة احتمالات". "وحيث يترتّب على تعريف الصلاحيّة المُقيّدة على الوجه آنف الذكر، أنّ قرارًا واحدًا -هو ذاك الذي ألزم القانون الإدارة أو السلطة باتّخاذه- يكون مشروعًا، متوافقًا وحُكم القانون. وكلّ قرار آخر تتّخذه الإدارة أو السلطة خلافًا لما ألزمها به القانون يكون مُخالفًا للقانون. وهو ما يُعرف بالصلاحيّة المُقيّدة....". وجاء هذا الرأي، نتيجة تخلُّف السلطة المُخوّلة يومها عن إصدار مرسوم التشكيلات القضائية. حيث خلص الرأي إلى اعتبار أنّ صلاحية السلطة في إصدار المرسوم هي صلاحية مُقيّدة وليست مُطلقة أم استنسابية. وبالعودة إلى المادة 109 من النظام الداخلي لمجلس النواب، فإنّ القانون والنظام الداخلي لمجلس النواب يُلزِمان رئيس المجلس بطرح اقتراح القانون المُعجّل المُكرّر على الهيئة العامة، في أوّل جلسة يعقدها المجلس بعد تقديمه، ولو لم يُدرج في جدول الأعمال.
دون أن يترك لرئيس المجلس على الإطلاق أي هامش أو حرّية بالاختيار بين طرحه أم عدم طرحه. فلا احتمالات أمام رئيس المجلس إلّا طرحه على الهيئة العامة. وبالتالي، إن قرارًا واحدًا مُنفردًا ألزم القانون والنظام رئيس المجلس باتّخاذه. وأي قرار آخر كالاحتفاظ به في أدراجه، أم إرجاء طرحه لغايات مشبوهة، يُعتبر قرارًا مُخالفًا للقانون. ما يُفيد بأنّ صلاحية رئيس المجلس بوجوب طرحه على جدول أعمال أوّل جلسة تشريعية هي صلاحية مُقيّدة وليست مُطلقة أم استنسابية على الإطلاق.
انطلاقًا من ذلك، فإن موقف العديد من الكتل النيابية والنواب المستقلّين، بالانسحاب من جلسة الإثنين المُنصرم، احتجاجًا على عدم طرح هذا الاقتراح المُتعلّق بتعديل المادة 112 من القانون رقم 44/2017 على جدول أعمال الجلسة التشريعية. جاء متوافقًا مع أحكام القانون ونصوص النظام الداخلي لمجلس النواب.
أمّا اتّخاذ رئيس المجلس قرارًا مُنفردًا بإحالته وضمّه إلى رُزمة اقتراحات القوانين التي تدرسها
اللجنة الفرعية. فهذه مُخالفة قانونية إضافية، وتحديدًا لنّص المادة 112 من النظام الداخلي لمجلس النواب.