لا يستبعد بعض المراقبين الذين يعتبرون أنفسهم حياديين أن تكون إسرائيل وراء إطلاق الصواريخ من منصّات بدائية الصنع في اتجاه مستوطنة المطلة المحاذية للحدود
اللبنانية لكي تعطي لنفسها مبررًا إضافيًا لاستكمال تنفيذ ما بدأت به على مراحل في حربها على لبنان، التي لم تنتهِ، كامتداد طبيعي لمشروعها التوسعي في
المنطقة، أو ما يسمّيه رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو "شرق أوسط جديد"، بحيث تكون فيه دولة إسرائيل بكيانها الغاصب حاضرة بقوة وفعالية في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والتنموية والمالية والسياحية والاستثمارية. وهذا الواقع لا يزال يرفضه لبنان الرسمي، حرصًا من العهد الجديد على ما تبقّى من وحدة داخلية يسعى إلى تأطيرها في مؤتمر حواري جامع يهدف إلى مصارحة شفافة وجريئة كمقدمة لازمة لمصالحة حقيقية قائمة على ثوابت غير قابلة للانهيار عند هبوب أول عاصفة، أو بمعنى آخر أن تكون أساسات هذه المصالحة مبنية على الصخر وليس على الرمل لكي تستطيع أن تواجه ما يعترضها من عواصف وزوابع.
ولكن حيال ما يتعرّض له لبنان من زلازل قد تكون مفاعيلها هذه المرّة أشد ضراوة من المرّات السابقة من حيث إن ما يمكن أن يسفر عنها من أضرار قد يفوق ما تعرّض له بنوع خاص الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت، وصلت إلى مسامع المسؤولين اللبنانيين بعض النصائح ومفادها أنه عندما تتصارع الفيلة ما على أهل القبائل سوى الاحتماء حتى يهدأ الصراع أو حتى يتعب المتصارعون. وهذا يعني بعيدًا عن اللغة الديبلوماسية، التي لم تعد معتمدة في المخاطبات
الرسمية بين الدول، خصوصًا أن ما شهدناه في لقاء البيت الأبيض بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونائبه جي دي فانس مع الرئيس الاوكراني فلاديمير زيلنيسكي قد يكون عيّنة لما يمكن أن تكون عليه طبيعة التخاطب الدولي، خصوصًا عندما يتعلق الأمر بقضية لها
علاقة بمصالح الدول الكبرى، التي تسعى إلى تسييرها على حساب الدول، التي تُعتبر مستضعفة.
فالحرب التي بدأت ملامحها تلوح في
المنطقة بين الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل من جهة، وبين ايران وحلفائها في المنطقة من جهة أخرى، ومن بينهم بالطبع "حزب الله" في لبنان، بدءًا بتنفيذ مخطّط تهجير فلسطينيي القطاع إلى صحراء سيناء، ولاحقًا إبعاد فلسطينيي الضفة الغربية إلى الأردن، ستكون حتمًا على حساب فلسطين بالدرجة الأولى، وعلى حساب لبنان ثانيًا، وامتدادًا إلى الجنوب السوري ثالثًا، ومن ثم على حساب كل من مصر والأردن على رغم اعتراض كل من القاهرة وعمّان على هذا المخطّط، الذي يهدف إلى تقسيم المنطقة إلى دويلات ضعيفة ومتصارعة، بحيث تصبح إسرائيل أقوى الضعفاء.
وحيال هذا الوضع المستجد والطارئ سُجلت في الساعات الأخيرة اتصالات مكثفة على ارفع مستوى بين المسؤولين اللبنانيين ومع اللجنة الخماسية وجهات دولية لتدارك التصعيد الحاصل في الجنوب والعمل على عدم استغلال العدو الاسرائيلي لحادث إطلاق الصواريخ نحو اسرائيل من اجل توسيع عدوانه وانفجار الموقف، فشدد رئيس الجمهورية العماد جوزف عون على "إدانة محاولات استدراج لبنان مجددا إلى دوامة العنف". واعتبر "ان ما حصل في الجنوب، وما يستمر هناك منذ ١٨ شباط الماضي، من عدم التزام بحرفية
اتفاق وقف النار، يشكل اعتداء متمادياً على لبنان وضرباً لمشروع انقاذه الذي أجمع عليه اللبنانيون". وناشد "جميع أصدقاء لبنان التنبه لما يحاك ضده من أكثر من طرف معادٍ".
من جهته رأى الرئيس نبيه بري أن المستفيد الأول والأخير من جر لبنان والمنطقة الى دائرة الانفجار الكبير هي اسرائيل ومستوياتها الأمنية والعسكرية التي خرقت
القرار 1701 وبنود وقف إطلاق النار بأكثر من 1500 خرق حتى الآن، فيما حذّر رئيس الحكومة نواف سلام من "تجدد العمليات
العسكرية على الحدود الجنوبية، لما تحمله من مخاطر جرّ البلاد إلى حرب جديدة، تعود بالويلات على لبنان واللبنانيين".
ما يجري اليوم في المنطقة ذكّر الناشطين في الحقل السياسي بقول وزيرة خارجية الولايات المتحدة كوندوليزا رايس، غداة حرب تموز 2006، إنّ ما يجري هو "المخاض المؤلم". الذي سيؤدي إلى ولادة الشرق الأوسط الجديد. فما لم يستطع الرئيس ترامب تحقيقه في ولايته الرئاسية الأولى يسعى إلى رؤيته واقعًا ملموسًا في أكثر من منطقة في العالم بدءًا بجارتيه كندا والمكسيك، وصولًا إلى الشرق الأوسط، بعد أن يكون قد أنهى الحرب الدائرة في أوكرانيا لمصلحة تحالفه "الناعم" مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. فلو لم تُعطَ إسرائيل الضوء الأخضر الأميركي لما استكملت ما كانت قد بدأته غداة عملية "طوفان الأقصى" في قطاع غزة، وامتدادًا إلى لبنان. ويُقال بأن نتنياهو قبِل بوقف إطلاق النار على مضض.