ذكرت صحيفة "The Atlantic" الأميركية أنه "على مدى السنوات الخمس والعشرين الماضية، خضع العالم لرؤية رجل واحد. ففي غضون جيل كامل، لم يقم فقط بتعطيل عملية الانتقال إلى الديمقراطية في بلده وفي البلدان المجاورة، بل أطلق أيضًا سلسلة من الأحداث التي حطمت النظام عبر الأطلسي وهو النظام الذي ساد بعد الحرب العالمية الثانية. وفي التحول العالمي ضد الديمقراطية، لعب في بعض الأحيان دور الزعيم والمستفز المشاغب. نحن نعيش في عصر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. ولعل هذه الحقيقة تساعد في تفسير سبب عيشنا تجربة قوية عندما انتقد الرئيس الأميركي دونالد ترامب مؤخرا نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في المكتب البيضاوي. فقد جسدت تلك اللحظة انتصار بوتين النهائي، عندما أصبحت الولايات المتحدة، العائق الأكبر أمام تحقيق رؤية الرئيس الروسي، حليفه الأقوى. ولكن تفاني ترامب المفرط للزعيم الروسي ليس سوى تتويج لهذا العصر".
وبحسب الصحيفة، "لم يكن هناك شيء مؤكد بشأن انتصار بوتين. فقبل عشرين عاما، في واقع الأمر، بدا نظامه وكأنه قد لا ينجو. ومع الثورات الملونة في أوكرانيا وجورجيا وقيرغيزستان، تلاشى النفوذ الروسي في الدول السوفييتية القديمة بسرعة. وكان التهديد يتلخص في انتشار الثورة الديمقراطية إلى أقرب نقطة من قلب الإمبراطورية القديمة، موسكو، كما حدث في الأيام الأخيرة للشيوعية. والواقع أنه بينما كان بوتين يستعد للعودة إلى رئاسة روسيا في عام 2012، بعد فترة قضاها رئيسا للوزراء، زادت الاحتجاجات في موسكو بشكل كبير وانتشرت إلى مدن روسية أخرى، ثم استمرت في الاشتعال لأكثر من عام. وكان الحفاظ على سلطته، سواء في الداخل أو الخارج، يستلزم مجموعة جديدة من التكتيكات الأكثر عدوانية. وباللجوء إلى دليل المخابرات السوفييتية القديم، بدأت روسيا تتدخل في الانتخابات في مختلف أنحاء أوروبا، وتمويل المرشحين المفضلين بشكل غير قانوني، واستغلال وسائل الإعلام لزرع نظريات المؤامرة، وإنشاء شبكات تلفزيونية ومحطات إذاعية لنقل رسالته إلى قلب أميركا وأوروبا".
وتابعت الصحيفة، "كما استخدم الاتحاد السوفييتي الحركة الشيوعية الدولية لتعزيز أهدافه، جمع بوتين شبكته الخاصة من المعجبين، والتي شملت أمثال زعيمة اليمين الفرنسي مارين لوبان، والإعلامي السابق في قناة فوكس نيوز تاكر كارلسون، ومستشار ترامب السابق ستيف بانون. وحقيقة أن العديد من النخب الغربية كانت تكرهه أثارت حماس هؤلاء المعجبين الأجانب. وكانت أهداف بوتين واضحة دائما: كان يتوق إلى قادة أقل عدائية في الغرب، أشخاص يعملون على تفكيك حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي من الداخل. وفوق كل شيء، كان يأمل في تشويه سمعة الديمقراطية كنظام حاكم. وفي الواقع، هناك عدد كبير من هذه الأهداف تحققت بمرور الوقت، وخاصة في الأسابيع الأولى من إدارة ترامب الثانية. وكان أحد الأهداف الأساسية لبوتين هو حماية ثروته الشخصية. وتعتمد حماية هذه الأموال المكتسبة بشكل غير مشروع، وأموال دائرته الداخلية، على السرية والتضليل والسرقة، وهي كلها قيم محرمة على الديمقراطية".
وأضافت الصحيفة، "في حين سعى بوتين إلى فرض رؤيته على العالم، كانت أوكرانيا هي المنطقة التي يطمع فيها، ولكنها كانت أيضا موقعا لأشرس مقاومة له. وحتى الأسبوع الماضي، كانت الولايات المتحدة بمثابة الراعي الأساسي لهذه المقاومة الأوكرانية. ولكن إدارة ترامب تخلت عن هذا الدور، وبالتالي منحت روسيا مزايا لا تصدق في ساحة المعركة. ولأن إدارة ترامب قطعت الأسلحة عن أوكرانيا، فإنها سوف تستنفد مخابئ الذخائر الحيوية في غضون بضعة أشهر، وبالتالي يتعين عليها أن تخزن مخزوناتها، مما يحد من قدرتها على صد الهجمات الروسية. ولأن الولايات المتحدة توقفت عن تبادل المعلومات الاستخباراتية مع كييف، فسوف يكون الجيش الأوكراني محروما من قدرة أميركا على التنصت على خطط الحرب الروسية. وكل هذه القرارات من شأنها أن تزيد من إحباط الجيش الأوكراني المنهك والمستنزف".
وبحسب الصحيفة، "قبل ثلاث سنوات فقط، بدا الأمر وكأن روسيا في عهد بوتين محكوم عليها بالعزلة الدولية والعار. وللحصول على المساعدة والتضامن، اضطر الرئيس الروسي إلى اللجوء إلى كوريا الشمالية وإيران، لكن ترامب عازم على إعادة دمج بوتين في أسرة الأمم. فهو يريد عودة روسيا إلى مجموعة الدول السبع، وهي مسألة وقت فقط قبل أن يخفف العقوبات التي فرضتها إدارة جو بايدن على روسيا. وفي الواقع، أعطى ترامب الشرعية الأميركية والهيبة الأخلاقية لبوتين. ويشكل حلفاء بوتين الشعبويون في فرنسا وألمانيا الآن أقوى كتل المعارضة في تلك البلدان".
ورأت الصحيفة أنه "في الواقع بوتين ينتصر، لأنه استغل بذكاء مزايا الاستبداد. فسيطرته شبه الكاملة على سياسته تسمح له بامتصاص الألم الاقتصادي الناجم عن العقوبات، إلى أن يفقد الغرب اهتمامه بها. كما سمح له افتقاره إلى الندم الأخلاقي بالتضحية بالجثث في ساحة المعركة، دون الشعور بالندم. كما وانتظر بوتين بصبر خصومه الديمقراطيين، مراهناً بشكل صحيح على أن جماهيرهم التي تشتت انتباهها بسهولة سوف تفقد الاهتمام بخوض حروب بالوكالة ضده. إن الأمر الأكثر تدميراً في ما يتصل بتغير حظوظ بوتين هو أنه قرأ المجتمعات الغربية بدقة بالغة. فعندما هاجم انحطاط الغرب وضعف ديمقراطيته، لم يكن ينخرط في الدعاية، بل كان يتنبأ بدقة بكيفية تخلي عدوه عن مبادئه الأولى. وبدا وكأنه يستشعر أن المثالية الديمقراطية الأميركية قد تتلاشى بالفعل، ليس فقط باعتبارها عقيدة في السياسة الخارجية، بل وأيضاً باعتبارها قناعة متفق عليها في سياستها الداخلية".
وختمت الصحيفة، "الآن، ومع وجود نظيره الذي يتبنى نفس الفكر في البيت الأبيض، لم يعد بوتين في حاجة إلى تقديم حجة ضد الديمقراطية لمواطنيه. فهو يستطيع أن يزعم أن النظام أصبح غير جذاب إلى الحد الذي جعل الولايات المتحدة تبتعد عنه".