لحظات مليئة بالعاطفة والكلمات المؤثرة حفل بها قصر بعبدا قبل ظهر اليوم الذي احتضن الكاتبة والاعلامية والمراسلة على مدى اكثر من ثلاثين عاما في القصر الزميلة هدى شديد، في حفل تكريم دعا اليه وحضره رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون واللبنانية الاولى السيدة نعمت عون. وجاء تكريم شديد التي لم تعرف معنى الاستسلام ان في عملها، او في مواجهة تحديات الحياة مسطرة قصة كفاح تروى في صراعها مع المرض وتحدي الالم بايمان، اعترافا بتفانيها المهني وتمسكها بمواصلة العطاء والتضحية، حيث كان في كل خطوة اتخذتها امل لا يهزم وعزيمة لا تلين.
في مستهل اللقاء، القى رئيس مكتب الاعلام في رئاسة الجمهورية رفيق شلالا كلمة جاء فيها:
"فخامة الرئيس،
حضرة
اللبنانية الأولى،
عزيزتي هدى،
أيها الحضور الكريم،
لقاؤنا اليوم ليس مجرد تكريم لإعلامية ناجحة ومحبوبة ورصينة في عملها، حتى استحقت احترام ومحبة اللبنانيين، بل هي لفتة من رئيس الجمهورية بالذات والسيدة عقيلته، تؤكد احتضان من برعوا وبرزوا وابتكروا وحققوا الإنجازات من بنات وأبناء هذا الوطن.
هو تقدير لمسيرة هدى شديد المليئة بالعبر والدروس والالهام.
هدى التي واجهت شتى الصعوبات منذ نعومة أظفارها، ولم تتراجع أمامها، بل اختارت التضحية، والصبر، والتفاؤل.
ملتزمة هي بالحب والخير، حتى النهاية. ومن لا يعرف عن ماضيها، أشير فقط إلى اختيارها الزواج ممن تحب برغم معرفتها المسبقة بإصابته بالسرطان. ولم يمنحها القدر إلا أسابيع قليلة لتعيشها مع زوجها قبل أن يرحل.
كلامي عنكِ يا هدى لن يكون إلا ناقصاً ، لأن معرفتي العميقة بك التي امتدت لربع قرن، تجعل مشاعري مضطربة في هذه اللحظات.
أنتِ الوفية، القديرة، التي لطالما شعرت بالفخر بصداقتنا، وبالتقدير لما أضفته إلى الإعلام في
لبنان بحضورك وشخصيتك الجميلة.
وكم كنت سعيداً حين أقنعتك بكتابة مذكراتك مع السرطان في مواجهتك الأولى معه قبل سنوات، لأن قصتك شكلت مصدر وحي وقوة وإلهام للكثيرين.
لن أطيل الكلام عن هدى شديد وأهمية اللقاء العائلي، فما أود التعبير عنه، لا تسعه هذه المناسبة.
شكرا فخامة الرئيس والسيدة الأولى على مبادرتكما النبيلة التي تركت عميق الأثر في نفوسنا جميعا".
ثم القت المحتفى بها، وبتأثر كبير وابتسامة معهودة، مداخلتها فقالت: " قبل ان ابدأ كلمتي، اود ان اشكر الزميلات والزملاء الذين رافقوني وساعدوني في مسيرتي الطويلة، وخصوصاً في قصر بعبدا حيث كنت حاضرة كمراسلة طوال خمسة عهود. لقد اعتدنا في
لبنان ان يتم تكريم الانسان بعد وفاته، لذلك اود ان اشكركم على تكريمي وانا على قيد الحياة، خصوصاً وانه يأتي في بداية عهدكم، فخامة الرئيس."
ثم بدأت بتلاوة الكلمة التالية:
"تأثرت كثيراً بالعاطفة الكبيرة وباللفتة الإنسانية الراقية التي خصصتموني بها، فخامة الرئيس العماد جوزاف عون والسيدة الأولى نعمت او "نانو" كما اعتدت ان اسمّيك منذ ان تعرفت اليك، وايضاً نزولاً عند رغبتك ورغبة فخامة الرئيس بأن ابقي على هذا الاسم.
اعتدنا في
لبنان ان يتم تكريم المرء بعد مماته، انما قد يكون التكريم حياة ثانية وقوة دفع وتشجيع للتسليم بإرادة الرب الذي قال "لا تسقط شعرة من رؤوسكم الا بإرادتي".
الشكر يبدأ عندكم فخامة الرئيس والسيدة الأولى، ويمتد الى رفيق شلالا، الانسان الذي اعتدنا ان يكون استاذنا وراعينا، وهو الذي رافقني من خلال رعايته واحتضانه وارشاداته، طوال 30 سنة قضيتها في القصر
الجمهوري اتولى فيها، في مهنة المتاعب، التغطية ليلا نهارا، حتى قيل عني انني كبيرة المراسلين او عرّابتهم في القصر الذي بتّ احفظ عواميده، وقد امضيت اكثر من نصف حياتي فيه، وهو الذي كان، وسيبقى رمز وحدة الوطن وسلطة الدولة وسلامة المؤسسات، وعند اقفاله تكون الدنيا كلها قد أقفلت في وجهنا، لكنه عاد الى الحياة معكم، فخامة الرئيس.
حظيت بشرف مواكبة أربعة رؤساء، قدّموا للبلد كل ما امكنهم في عهودهم، من الرئيس الراحل الياس الهراوي، الى الرؤساء العماد اميل لحود والعماد ميشال سليمان والعماد ميشال عون، اطال الله بعمرهم، إضافة الى فترات الفراغ التي أقفلت القصر ولبنان، مع غياب الرأس.
فخامة الرئيٍس، رأيت فيك عند دخولك الى هذا القصر، كما جميع اللبنانيين، خطوات واثقة، ملكاً، لا ينقصك دعم السياسيين ولا ثقة الداخل والخارج التي استحقيتها بجدارة. اللبنانيون المخلصون كلهم يقفون الى جانبك لقيادة سفينة هذا البلد المرمي وسط الأمواج العاتية، والى جانبك امرأة تصلي وتعمل على مساعدتك في متابعة القضايا وابرزها تلك الإنسانية والاجتماعية وغيرها...
اشكر كل الحضور في هذا التكريم الغالي على قلبي في هذه اللحظة من حياتي، وهي لائحة شكر طويلة لكل من رافقني طوال السنوات الـ30: الاستاذ صلاح سلام والأستاذ المرحوم عبد الغني سلام، وهما كانا اول من حملني من زغرتا الى القصر
الجمهوري كمراسلة.
جريدة "النهار" مع الشهيد جبران تويني الذي ابى الا ان يثبّتني كمراسلة دائمة في القصر، الى حاملة الأمانة السيدة نايلة التي حافظت على هذا الاعتماد، والزملاء فرنسوا عقل، نبيل بو منصف وغسان حجار. اما ميشال حلو، الشاب الذي ترك كل شيء وعاد ليحفظ ارثاً غالياً فاق عمره الـ130 عاماً، اي L'Orient Le Jour، اول صحيفة باللغة الفرنسية في
لبنان والمنطقة، وهو الذي عندما ابلغته انه لم يعد بامكاني الاستمرار في عملي بسبب المرض، اجابني: انت ابنة هذه المؤسسة اليوم اكثر من أي وقت مضى، وستبقين معنا، ولن يهزمك مرض او غيره...
الشكر الكبير لكثير من الزملاء الذين تعاونوا معي خلال السنتين الأخيرتين، ومنهم زملائي الاوفياء في وكالة "رويترز" الذين رافقوني وامسكوا بيدي ووقفوا الى جانبي، رفيقات العمر: سامية نخول، ليلى البسام، مايا جبيلي، وكل من رافقني خلال مسيرتي الإعلامية.
انتقل الى عائلتي، والدي واخوتي واخواتي وازواجهن، ووالدتي التي ودّعتها منذ فترة غير طويلة، وهم جميعاً فخورون بهذا التكريم.
ان لائحة الشكر لا تنتهي، وضيق الوقت لا يسمح لي ان اذكر بالاسم جميع الأطباء الذين رافقوني، وهم لا يزالون يناضلون وواثقون بأن أبواب العلاج لا يمكن اغلاقها في وجهي، وهم اليوم معي يشرفونني بمشاركتي في هذه المناسبة الاجمل على قلبي.
وأصل اخيراً الى الجوهر، الى القلب، الى روح انسان ترك كل شيء ليقف الى جانبي، والذي كنت استمدّ منه القوة والهمّة والإرادة والعزم وعدم الاستسلام: الشيخ بيار الضاهر، الذي لو قدّر له شراء روح لي، لما تأخر. اعطاني المناعة المادية، وكل المساحة على الاثير لابقي على اطلالتي على الشاشة بمختلف ظروفي الصحية، ولسان حاله: اختاري الوقت الذي يناسبك، وبالشكل الذي يناسبك "بفولار او بلا فولار، بشعر مستعار او من دونه"، وهذا ما ساعدني على ان اشعر، كلما توجهت الى المؤسسة
اللبنانية للارسال، ان الحياة لا تزال جميلة وهي تتجدد. هو الانسان الصارم جداً عند اللزوم، وصاحب قلب الاطفال عندما يتعلق الامر بالانسانية.
ان فرحتي اليوم عارمة، وكنت امضيت اكثر من أسبوع اجاهد من اجل ان تكون روحي في هذا التكريم اقوى من مرضي الجسدي، كما رغبت بشدة ان احضر اليوم وانا واقفة على رجليّ بدل ان أكون على الكرسي المتحرك الذي رافقني في الفترة الأخيرة.
وارغب في استئذانك، فخامة الرئيس، لكي اقدّم هذا الدرع التكريمي الى الشيخ الضاهر واسرة المؤسسة
اللبنانية للارسال، التي بقيت احتفل فيها بالحياة، هذه المؤسسة التي توّجت فيها مسيرتي واستمديت منها القوة، وساهمت في نشر رسالة لكل مريض بأن الحياة لا تنتهي مع المرض، لا بل يجب ان تتجدد.
LBCI
هي اجمل مكان اضع فيه هذا التكريم الرئاسي، هي بيتي وعائلتي، واهدي هذا الدرع الى الشيخ الضاهر واسرته التي هي اسرتي، وزوجته السيدة رندا التي غابت قسراً عن هذه المناسبة لتكون، عند رغبتنا جميعاً، الى جانب ابنتها يارا التي تنتظر مولودها."
ثم توجهت الزميلة هدى مجدداً الى رئيس الجمهورية والسيدة الأولى، معربة عن فرحتها الكبيرة بهذه اللفتة وبالعاطفة الصادقة تجاهها من قبلهما، مشيرة الى ان الحياة لا تتوقف عندما يكون هناك دعم وحب، معربة عن ارتياحها الكبير لتتويج مسيرتها المهنية في هذا المكان الذي تحب.
ثم استأذنت الرئيس عون والسيدة الأولى، وطلبت تقديم الدرع الى الشيخ الضاهر، والتقاط صورة تذكارية للمناسبة.