في عالم يزداد فيه اندماج التكنولوجيا بحياتنا اليومية، أصبحت الألعاب الإلكترونية رفيقًا دائمًا للكثير من المراهقين. وبينما توفر هذه الألعاب مساحات للتسلية والتواصل، إلا أن الإفراط في استخدامها قد يدفع المراهقين نحو هاوية الإدمان، مغيرًا سلوكياتهم وموقعاً إياهم في فخ العزلة عن عالمهم الحقيقي.
علامات مقلقة
ما يبدأ كنشاط بريء للتسلية قد يتحول تدريجيًا إلى إدمان خطير، حيث يجد المراهق نفسه مدفوعًا بقوة لا تقاوم لقضاء ساعات طويلة أمام الشاشات. هذا التحول ليس مفاجئًا، بل يمر بمراحل تظهر فيها علامات واضحة، على رأسها السلوك الإندفاعي والتهوّر في التصرفات، خاصة إذا كان المحتوى الذي يلجأون إليه يتمحور حول العنف.
ووفق الأخصائية النفسية
كارول سعادة، من العلامات التي تثير قلق الأهل بشأن أولادهم، الإنسحاب من التفاعل والتحوّل نحو العزلة، فضلاً عن تغيّر نمط حياة المراهق ونومه واضطرابات جسدية ونفسية أخرى، لافتة إلى أنه
مع مرور الوقت يتحوّل الأمر إلى إدمان مثل أي مادة أخرى.
التداعيات اليومية على حياة الاولاد تكون واضحة بحسب
سعادة، سواء في التواصل مع أصدقائهم أو أهلهم أو لناحية الأداء الأكاديمي.
وعن الفرق بين العزلة الطبيعية وتلك التي يسببها إدمان الألعاب الالكترونية، أوضحت سعادة في حديث لـ"
لبنان" أن الأولى تنتج عن خيار موقّت يلجأ إليه المراهق لتخفيف الضغوط النفسية المحيطة، أما تلك غير الطبيعية فهي التي يزيد فيها الإبتعاد عن الواقع والآخرين، وصولاً إلى الخوف منهم وإلغاء التواصل معهم.
واعتبرت أن العزلة غير الطبيعية ترتبط بشكل مباشر بكمية الوقت الذي يقضيه المراهق على الألعاب، بالترافق مع أعراض أخرى مثل التوتر الدائم والقلق والعصبية الزائدة.
وقالت سعادة إنه في بعض الحالات السطحية، وبفضل وعي الأهل وتحرّكهم السريع لإنقاذ أولادهم، من الممكن أن يبقى المراهق بعيداً عن العزلة والتغيّر الكبير بالسلوكيات، وأن يبقى منخرطاّ بالأنشطة الأخرى التي كانت تهمه سابقًا، مثل الهوايات، الواجبات المدرسية، أو حتى قضاء الوقت مع العائلة والأصدقاء.
واعتبرت أن السبب الأساسي الذي يدفع المراهقين إلى الهروب نحو الشاشات، هو الهروب من الواقع ومن شعور الفراغ الذي يشعرون به في معظم الأحيان لأسباب عدّة ومنها المشاكل العائلية وانفصال الوالدين، مشيرة إلى أن المراهق بطبيعته يميل إلى الإندفاع وليس إلى تحليل تصرفاته لإصلاحها، خاصة وأن الشعور بالإنتماء إلى مجموعة معينة أمر يجذب الأولاد في عمر المراهقة.
لا تقتصر آثار الإدمان على العزلة وحسب، بل تتعداها لتشمل تغيرات سلوكية ونفسية جذرية. قد يصبح المراهق الذي كان هادئًا أكثر عصبية وعدوانية، خاصة عند محاولة منعه من اللعب.
ومن أبرز التغيرات السلوكية نوبات الغضب، إذ يصبح المراهق سريع الانفعال ويصاب بنوبات غضب شديدة إذا ما قوطع أثناء اللعب أو طلب منه التوقف.
كما قد يلجأ المراهق إلى الكذب أو إخفاء وقت لعبه لتجنب المواجهة مع الأهل، مما يهز الثقة الأسرية، فضلاً عن تراجع أدائه الأكاديمي بشكل ملحوظ بسبب قلة التركيز على الدراسة وإهمال الواجبات المدرسية.
فضلاً عن ذلك، السهر لوقت متأخر للعب يؤثر على نمط النوم، مما يؤدي إلى الإرهاق خلال النهار وصعوبة التركيز في المدرسة.
كما قد يعاني المراهق من مشاكل نفسية وجسدية سببها هذا الإدمان على الألعاب الالكترونية، قد تصل إل التبّول الليلي اللاإرادي ما قد يسبب إحراجاً لدى المراهق، وبالتالي تفاقم حالته النفسية سوءاً.
مسؤولية مشتركة
ولأن طريق التعافي من إدمان الألعاب الإلكترونية يتطلب وعيًا وجهدًا جماعيًا ومسؤولية مشتركة، يجب على الأهل وضع حدود واضحة ومراقبة محتوى الألعاب مع الالتزام الصارم بأوقات محددة ومعقولة للعب وتقليل الوقت تدريجياً خاصة إذا تخطى الساعتين، ونقل الحاسوب إلى مكان مشترك
في المنزل لمنعه من الانعزال.
وفي الحالات الشديدة، من الضروري طلب المساعدة من معالج نفسي متخصص لمساعدة المراهق على تجاوز هذه المرحلة.
إدراك مدى تأثير الألعاب الإلكترونية على حياة المراهقين وتغيير سلوكهم هو الخطوة الأولى نحو مساعدتهم
على استعادة توازنهم وعيش حياة غنية بالتجارب والتفاعلات. ولكي تبقى التجربة ممتعة ومفيدة في آن معاً، يبقى إيجاد التوازن الصحيح بين العالم الرقمي والواقع المادي هو الحلّ الأمثل.