نشر مركز القدس للشؤون الخارجية والأمنية "jcpa" تقريراً جديداً قال فيه إنَّ الانتخابات البلدية التي شهدها لبنان مؤخراً، كشفت عن تعثر ما أسماها "الكتلة الشيعية في لبنان".
التقرير ذاته تطرَّق أيضاً إلى ما يجري داخل "حزب الله" على الصعيد الداخلي والحزبي، متحدثاً عن إمكانية حصول بروز تيارات مختلفة داخله تنظيمياً.
ويقول التقرير الذي ترجمهُ "لبنان24" إنَّ "هيمنة حزب الله وحركة أمل على نتائج الإنتخابات لم تكن مُفاجئة، لكن تداعياتها الكامنة تتجلى في تعقيدات أكبر بكثير"، وأضاف: "لقد حقق الثنائي الشيعي (أمل وحزب الله) بالفعل أغلبية في أكثر من 90% من المجالس البلدية الشيعية وهو استعراض هائل للقوة التنظيمية. إلا أنه في المقابل، فإنَّ نسبة المشاركة في التصويت عكست صورة مختلفة تماماً، إذ انخفضت إلى حوالى 37% بين الناخبين الشيعة المؤهلين، وهو مؤشر صارخ على خيبة الأمل".
وأكمل: "في منطقة بعلبك – الهرمل التي طالما عارضت الانتخابات، انخفضت نسبة المشاركة إلى 28% فقط، فيما لم تكن نسبة المشاركة في صور أفضل إلا بفارق ضئيل. جاء هذا على النقيض تماماً من المناطق المارونية، مثل كسروان وأجزاء من قضاء المتن، التي شهدت مشاركة أعلى نسبياً (47-50%)، مدفوعةً إلى حد كبير بالمنافسة السياسية الشرسة بين
المسيحيين".
وأضاف: "يرسم هذا التفاوت صورةً واضحةً، فقد بدا النصر الشيعي نتيجةً للغياب الصارخ لبدائل موثوقة وقابلة للتطبيق قادرة على اختراق النظام القائم، أكثر منه تفويضًا شعبياً متجدداً وحماسياً. ورغم الدمار المادي المتواصل والخنق الاقتصادي الناجم عن صراع حزب الله المطول والمتصاعد مع
إسرائيل، تشبث العديد من الناخبين الشيعة بالثنائي، حركة أمل وحزب الله، وكانت أسبابهم غالباً نابعة من قلق وجودي عميق، وخوف من المجهول في منطقة تعيش حالة من التوتر الدائم".
ويتابع: "قوبلت الغارات الجوية
الإسرائيلية المتصاعدة والمتزايدة الدقة على جنوب لبنان، وحتى في عمق البقاع، بضبطٍ استراتيجيٍّ مُقلقٍ من حزب الله، الذي تجنّب التصعيد الذي قد يُشعل حرباً شاملة. في المُقابل، يعتقد المحللون على نطاقٍ واسع أن حزب الله يسير على حبلٍ مشدودٍ محفوفٍ بالمخاطر، مُدركاً تماماً أن اندلاع حربٍ كبرى أمرٌ لا يستطيع هو - ولبنان المُمزّق - تحمّله مالياً وعسكرياً وسياسياً، لا سيما مع نفاد صبر الشعب".
وقال: "يتزامن هذا الضغط الخارجي مع تحولات خفية، وإن كانت جوهرية، في ديناميكيات القوة الداخلية في لبنان.
الجيش اللبناني وأجهزة أمن الدولة الأخرى، التي كانت تُبدي حذراً شديداً في السابق عند العمل في معاقل حزب الله التقليدية، أظهرت مؤخراً حزماً مفاجئاً. مع هذا، تُشير عمليات تفكيك نقاط التفتيش غير القانونية وتعطيل طرق التهريب، التي يُزعم أن بعضها مرتبط بشبكات مواتية لحزب الله أو محمي من عناصر مقربة منه، إلى استعادة تدريجية لسلطة الدولة. حتى
القضاء، الذي لطالما وُجهت إليه انتقادات لحساسيته للتدخل السياسي، أظهر، تحت ضغط مستمر من مجتمع مدني صامد ومانحين دوليين يقظين، ومضات نادرة من الحزم المُستقل".
وأضاف: "داخل حزب الله نفسه، بينما يُصوّر الحزب نفسه ككتلة واحدة تحت قيادة أمينه العام نعيم قاسم، فإن الضغوط الهائلة قد تُغذّي تيارات داخلية. يُعدّ وفيق صفا شخصيةً رئيسيةً في الجانب العملياتي المُبهم في كثير من الأحيان للحزب. بصفته رئيس وحدة الاتصال والتنسيق في حزب الله، يُعدّ صفا المُحاور القوي والأساسي للحزب مع الأجهزة الأمنية
اللبنانية، ومع الجهات الدولية، كما يُقال، في ملفات حساسة مثل مفاوضات الرهائن. وهو، من نواحٍ عديدة، الرجل القوي لحزب الله خلف الكواليس، ويمارس نفوذاً كبيراً على الشؤون الأمنية والاستخباراتية".
واستطرد التقرير قائلاً: "في حين أن التنافسات العلنية تُعتبر لعنةً على صورة حزب الله العامة المنضبطة، فإن التعقيد الشديد في التعامل مع انهيار لبنان والحروب الإقليمية والعقوبات الدولية يُنشئ حتمًا نقاط ضغط ووجهات نظر استراتيجية مختلفة. وفي السياق، تشير بعض الهمسات إلى اختلافات محتملة، وإن كانت مدفونة، بين المتشددين الأكثر تركيزاً على الجانب العسكري وأولئك الذين يميلون إلى مسار سياسي أكثر براغماتية. إن وجود شخصيات قوية مثل صفا، ذات نطاقات مسؤولية مختلفة، يُؤدي بطبيعة الحال إلى تكهنات حول اختلاف وجهات النظر حول مسار الحزب المُحفوف بالتحديات".
وتابع: "إذا كانت هيمنة حزب الله تُعتبر منذ زمن طويل حصناً منيعاً، فإنَّ الانتخابات البلدية الأخيرة، بتداعياتها الضمنية، كشفت عن بدايات انهيار خفية - ليس في صلب هيكله التنظيمي المتين، بل الأهم من ذلك، في روح قاعدته الشعبية. إن اللامبالاة
الانتخابية الشاملة، وصمت الحزب الاستراتيجي غير المعهود في مواجهة الهجمات المباشرة، والتحولات الجذرية في السياسة اللبنانية الإقليمية والداخلية، كلها عوامل تتجمع لتشكل حلاً فعالاً، مما يُضعف تدريجياً قبضة الحزب التي بدت راسخة على ولاء قاعدته الانتخابية الراسخ".
وختم: "صحيح أن
المعارضة المتشرذمة، والتي غالباً ما تُهزم في المناورة، ليست مستعدة بعد لاقتحام القلعة. لكن شعبها، وكثيرون داخل جماعة حزب الله نفسها، يراقبون ويتهامسون، والأهم من ذلك، بدأوا يجرؤون على الحلم ببدائل. إنه حلم، إذا ما غذّاه الصمود والشجاعة الهادئة، فقد يتجسد يوماً ما، رغم الصعاب الهائلة، في عمل ملموس".