نشر معهد "ألما" الإسرائيلي للدراسات الأمنية تقريراً جديداً توقف فيه عند نتائج الإنتخابات البلدية التي شهدها لبنان خلال شهر أيار الجاري، مشيراً إلى أنَّ "الاستحقاق الذي حصل يشكل مؤشراً جديداً على أنَّ حزب الله باقٍ، كما أن الكلام عن أن الحزب ضعف بشكلٍ كبيرٍ بعد الحرب ليس أمراً مُطلقاً".
التقرير الذي ترجمهُ
"لبنان24" يقول إنه "يمكن اعتبار الإنتخابات الاخيرة بمثابة دليل على الحفاظ على قوة حزب الله المدنية، وهي القوة التي تساهم في تمكين قوته العسكرية"، وتابع: "من المحتمل أن تُصعّب روح
الانتخابات البلدية على الحكومة
اللبنانية، التوفيق بين التصريحات والحديث عن إضعاف قوة حزب الله العسكرية، وبين اتخاذ إجراءات جادة لإضعاف قوة حزب الله العسكرية فعلياً".
وأكمل: "في منطقة
البقاع، وتحديداً في البقاع الشرقي لاسيما في منطقتي
بعلبك والهرمل، يتمتع حزب الله منذ سنوات طويلة بهيمنة سياسية وتنظيمية وعسكرية. وهنا، حققت لائحة التنمية والوفاء، التي تجمع حزب الله وحركة أمل تحت مظلة واحدة في الانتخابات، انتصارات كاسحة في المجالس المحلية دون أي منافسة حقيقية، سواءً بسبب عجز العناصر المستقلة عن التنظيم، أو بسبب الضغوط السياسية والتهديدات الضمنية".
وأضاف: "تُعزز هذه النجاحات مكانة حزب الله كمركز قوة إقليمي، لا يعتمد فقط على قوته العسكرية أو البرلمانية، بل أيضاً على الحوكمة المحلية التي تُشكل بنيةً تحتيةً للعمل الاجتماعي والجماعي، وأحياناً أيضاً على الإدارة المالية. وبالنسبة لحزب الله، لا تُعتبر الانتخابات أداةً تقنيةً، بل فرصةً لتجديد تفويضه العام في نظر قاعدته
الشيعية، مع الحفاظ على قبضته على المؤسسات الإقليمية التي تُعتبر حيويةً للحفاظ على نفوذه السياسي".
ويلفت التقرير إلى أنه في
بيروت، كان المشهد السياسي أكثر تشتتاً في ظلّ إقبال ضعيف على الإقتراع، موضحاً أنَّ "حزب الله حافظ في النهاية على تفوّقه"، وتابع: "رغم أنَّ الحزب لم يُشارك علناً في لائحته الخاصة، إلا أنه عمل سراً لدعم أطراف تابعة لتحالف 8 آذار. وعليه، فازت لائحة "بيروت تجمعنا" التي حظيت بدعم حلفاء حزب الله بغالبية مقاعد
المجلس البلدي. وعليه، يكتسب هذه الإنجاز أهمية خاصة نظراً لانخفاض نسبة المشاركة في التصويت (حوالى 20%)، مما يُشير إلى أنَّ قدرة اللائحة الإنتخابية على حشد الناخبين، كانت أكثر فعالية من قدرة منافسيها".
وقال: "في المقابل، حققت "لائحة بيروت مدينتي" المستقلة، المؤلفة من مهنيين وناشطين وممثلين عن
المجتمع المدني، مكاسب رمزية، لكنها فشلت في اختراق جدار اللامبالاة العامة والقوة
الانتخابية للقوائم المدعومة من الكتل السياسية التقليدية".
وذكر التقرير أنه بعد الإنتخابات، نشرت الهيئة الإنتخابية لـ"حزب الله" في منطقة بيروت ما يشبه إعلان النصر، معبرة عن التقدير والشكر لـ"الجمهور المقاوم الوفي" الذي شارك في الإنتخابات وساهم في تحقيق الأهداف المطلوبة بمواجهة التحديات السياسية والإجتماعية، وذلك من أجل الحفاظ على التوازن والاستقرار والشراكة الوطنية والعيش المشترك.
وتابع التقرير: "في 24 أيار 2025، أُجريت الجولة الأخيرة من الانتخابات البلدية في
جنوب لبنان، في دوائر يتمتع فيها
الثنائي الشيعي - حزب الله وحركة أمل - بنفوذ كبير وواسع. لقد أُجريت الانتخابات على خلفية الحرب مع
إسرائيل. ورغم التحديات، حضر سكان الجنوب للتصويت حتى في البلدات المتضررة بشدة".
واعتبر التقرير أنَّ "حزب الله يواصل إظهار قوته السياسية والتنظيمية في جنوب لبنان، وقد أتاح له تعاونه الوثيق مع
حركة أمل السيطرة على القوائم المحلية في معظم القرى والمدن، والفوز بأغلبية المقاعد البلدية، وأحياناً بجميعها"، وتابع: "بينما شهدت بعض البلدات منافسة انتخابية محدودة، لم تُجرَ أي انتخابات في بلدات أخرى، ولم تُقدَّم أي قوائم، وكان اختيار أعضاء المجلس البلدي يُحدَّد باتفاقات مسبقة أو بما يُعرف بالتزكية".
في المقابل، رأى التقرير أنَّ "بيانات نسبة المشاركة في الانتخابات البلدية السابقة عام 2016 تعكسُ اتجاهاً واضحاً نحو انخفاض المشاركة، ويُرجّح أن يكون هذا الانخفاض ناجماً عن الإرهاق السياسي، والوضع الاقتصادي المتردي، والتداعيات الأمنية المباشرة".
وتابع: "مع ذلك، حافظت بعض المناطق، وخاصةً
صيدا والنبطية، على نسبة مشاركة مرتفعة نسبياً، مما يشير إلى استمرار المشاركة المجتمعية وقوة الإرادة السياسية الداخلية، مدفوعةً بشكل رئيسي بالآليات التنظيمية لحزب الله وحركة أمل".
وأوضح التقرير أيضاً أنه "رغم الضربة القاسية التي تلقاها، لا يزال حزب الله بعيداً عن الزوال، ويبدو أنه لا يزال مهيمناً على الصعيدين المحلي والانتخابي. وحتى مع وجود مشاعر الإحباط لدى
القاعدة الشيعية في المناطق المتضررة من الحرب، وانخفاض في نسبة المشاركة الشعبية، وخيبة أمل تجاه المسؤولين، إلا أن هذه المشاعر لم تُترجم بعد إلى تغيير حقيقي في ميزان القوى الانتخابي العام".
وختم: "رغم أن حزب الله يواجه صعوبات مالية عديدة تتعلق بإعادة الإعمار عموماً، وإعادة الإعمار المدني خصوصاً، وهي صعوبات تؤثر مباشرةً على القاعدة الشيعية، إلا أنه لا يزال يُمثل بنية تحتية فاعلة تُدير حالياً حملة إعادة إعمار مدنية واسعة النطاق، وهذا جانب بالغ الأهمية لبقاء حزب الله".