كتبت" الاخبار": قررت
وزارة العدل، بالتنسيق مع
وزارة الداخلية ومجلس
القضاء الأعلى ونقابة المحامين، إعادة استخدام
قاعة المحكمة الواقعة داخل السجن المركزي في رومية، في خطوة من شأنها تخفيف الضغط عن قصر عدل
بعبدا المكتظ، والتقليل من الأعباء الملقاة على
قوى الأمن الداخلي المكلفة بنقل الموقوفين، خاصة في ظل النقص في العديد، والعجز المالي الذي يعرقل شراء آليات نقل إضافية وصيانتها بانتظام.
وقد تُسهم هذه الخطوة في تسريع الإجراءات القضائية، وإصدار قرارات طال انتظارها بحق موقوفين منذ
سنوات من دون البتّ في ملفاتهم، في وقت تعاني فيه السجون من اكتظاظ خانق، وقصور العدل من نقص حاد في عدد القضاة والموظفين، إضافة إلى الحاجة
الماسة إلى التوسيع والترميم والتجهيز.
وتنبغي الإشارة إلى أن إعادة الجلسات إلى قاعة المحكمة داخل السجن المركزي يُعدّ إجراءً مؤقتًا واستثنائيًا، نظرًا إلى تعارضه مع مبدأ علنية المحاكمات واستقلال القضاء.
ورغم أحقية القضاة في الاعتراض على عقد الجلسات داخل السجون، فقد أبدى معظمهم تفهمًا للظروف الصعبة، وأعربوا أمام
مجلس القضاء الأعلى عن قبولهم بالإجراء الاستثنائي. في المقابل، جاء الاعتراض الأكبر من المحامين، بسبب إجراءات التفتيش، وبُعد المسافة، وصعوبة ركن السيارات. إلا أن قوى الأمن قدمت تسهيلات في هذا الإطار، كما
مارس وزير العدل القاضي عادل
نصار ضغوطاً على
نقابة المحامين في بيروت، ما أدى إلى موافقة النقابة بعد اعتراض استمر لأكثر من سنتين.
يُذكر أن وزارة العدل وضعت، خلال أزمة انتشار
فيروس «كوفيد-19» (2020-2022)، خطة وقائية لمنع انتشار العدوى في السجون، شملت عقد بعض الجلسات في قاعة داخل
سجن رومية، وهو الأكبر في
لبنان ويضم أكثر من نصف السجناء، موقوفين ومحكومين. كما جرى حينها استخدام تقنيات الاتصال المرئي لعقد جلسات المحاكمة عبر الإنترنت، وأثبتت هذه الخطة نجاحًا في الحد من انتشار العدوى، بفضل التنسيق بين وزارة العدل،
مجلس القضاء الأعلى، ونقابتي المحامين في
بيروت وطرابلس، وجهود قوى الأمن الداخلي التي تمكنت من تقليص الإصابات. ويُحسب هذا النجاح للدولة
اللبنانية، في وقت فشلت فيه دول أوروبية، كإيطاليا مثلًا، في منع انتشار العدوى داخل سجونها، ما أدى إلى وفاة عدد كبير من السجناء.
صحيح أن إعادة الجلسات إلى قاعة المحكمة في سجن رومية (ثلاثة أيام أسبوعيًا) لن تُعالج جذريًا أزمة اكتظاظ السجون، إلا أنها تُمثل تحريكًا للمياه الراكدة في مسار إصلاح نظام السجون، وقد تُعطي الموقوفين أملًا بقرب البتّ في ملفاتهم. غير أن الحل الحقيقي يكمن في وضع خطة شاملة لإصلاح القضاء، لا الاكتفاء بقانون يكرّس استقلاليته. إذ لا يمكن إصلاح السجون من دون إصلاح القضاء. كما إن بناء سجون جديدة، في ظل الواقع القائم، لن يؤدي إلا إلى المزيد من التوقيفات وازدياد الاكتظاظ (في
البقاع وحده، أكثر من 40 ألف مذكرة توقيف قضائية غير منفذة حتى اليوم).
ورغم أهمية استقلال القضاء، فإنه لا يكفي وحده. والحاجة ملحة إلى تجهيز المحاكم، وإدخال المكننة، وزيادة عدد القضاة والموظفين، وتطوير كفاءاتهم، وتفعيل الرقابة الجدية من هيئة التفتيش القضائي على أداء القضاة ونزاهتهم.
من هنا، يمكن اعتبار إعادة الجلسات إلى قاعة المحكمة في رومية خطوة على طريق طويل نحو التخفيف من الاكتظاظ، ولكنها تبقى خطوة استثنائية وناقصة، ولا يُتوقع أن تُحدث تحوّلًا جذريًا.