شهد
لبنان تصعيداً عسكرياً خطيراً في الفترة الأخيرة، مع تنفيذ إسرائيل غارات جوية استهدفت مناطق في الضاحية الجنوبية لبيروت ومدينة صيدا، ما يثير تساؤلات حول احتمال تجدد الحرب، خاصة في ظل التوترات المتزايدة والتهديدات المتبادلة. تركزت الغارات
الإسرائيلية على اغتيال شخصيات بارزة في
حزب الله وحماس. هذا يشير إلى محاولة إسرائيل تقويض القدرات القيادية والعسكرية لهذه الفصائل.
ومع تصاعد الضغوط الدولية، قد يتم التوصل إلى تسوية دبلوماسية تهدف إلى تهدئة الأوضاع ومنع اندلاع حرب شاملة، خاصة مع تدخلات من قبل
الولايات المتحدة ودول أخرى، وقد زارت المبعوثة الأميركية مورغان أورتاغوس
لبنان السبت والاحد وركزت محادثاتها على تعزيز سيطرة الجيش على كامل الأراضي
اللبنانية، وتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 1701 ونزع سلاح
حزب الله ومنع تهريب الأسلحة عبر الحدود
السورية. وبحسب مصادر دبلوماسية فإن دعوة أورتاغوس لنزع سلاح حزب الله "بشكل عاجل" تتزامن مع تصعيد عسكري إسرائيلي، ما يعكس تقاطعاً في الرؤى بين واشنطن وتل أبيب، ويفسر كتحذير مزدوج، دبلوماسي وعسكري، موجه لحزب الله ولمن يدعمه داخلياً. واعتبرت المصادر ان الرسالة التي حملتها أورتاغوس لرئيس الجمهورية العماد جوزاف عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نواف سلام مفادها لا دعم من دون ضبط السلاح وتنفيذ الإصلاحات. ووفق هذا المصادر فإن واشنطن أبلغت المعنيين أن الوضع لم يعد يحتمل التسويف وأن عليهم السير في مسار الدولة بالإصلاح وضبط السلاح، وإلا لبنان سيتعرض لضعوط مباشرة.
لقد جاءت أورتاغوس إلى لبنان، بحسب العميد أكرم سريوي ناقلة المطالب
الإسرائيلية، وهذه المرة لم تكتفِ بالمطالب الأمنية، أي منع إطلاق الصواريخ نحو إسرائيل ونزع سلاح حزب الله، بل أضافت إليها مسائل أخرى، تتعلق بمكافحة الفساد، والاصلاحات المالية، والادارية، وضبط الحدود البرية والمعابر غير الشرعية، وربطت إعادة الإعمار والسماح بوصول المساعدات إلى لبنان، بتنفيذ كل هذه المطالب.
من الواضح أن إسرائيل، بحسب العميد سريوي، تحاول عبر
الولايات المتحدة، الضغط على لبنان، لمنع إعادة الإعمار، ومنع عودة السكان إلى الجنوب، وهذا يرتبط بأهداف إسرائيل الاستراتيجية، التي تريد من خلالها خلق منطقة عازلة، والتمهيد للعودة إلى الحرب والتهجير القسري، وتطبيق ما تعتبره قاعدة الجولان الذهبية، أي احتلال ثم استيطان ثم الضم.
من الواضح أن لبنان، بحسب العميد سريوي، لا يرغب بالعودة إلى الحرب، ولقد التزمت المقاومة بكل ما تم الاتفاق عليه منذ اتفاق وقف اطلاق النار وتطبيق القرار 1701، لكن إسرائيل تستمر في خرق الاتفاق بشكل يومي، وزادت خروقاتها على الفي خرق، وقتلت أكثر من ألف شهيد للمقاومة في هذه الفترة، ومن الواضح أن إسرائيل تستغل التزام المقاومة بعدم الرد، لتثبيت قواعد اشتباك جديدة، تحاول من خلالها تحويل الجنوب إلى ضفة غربية أخرى، بحيث تستطيع أن تدخل إلى قراه ساعة تشاء، وتقصف وتغتال كما يحلو لها، وهي ترى في كل سكان الجنوب عناصر مقاومة، وتعطي نفسها الحق في قتلهم، حتى ولو كانوا لا يحملون السلاح، ولا يمتّون لحزب الله بصلة، ولقد قامت مراراً بقصف العائدين، ودمرت البيوت الصغيرة الجاهزة، التي حاول البعض أن يدخلها إلى القرى المهدمة.
وفيما تحاول إسرائيل جر الحزب مجددًا إلى الحرب، فإن الحزب ما زال يرفض الانجرار إلى الفخ
الإسرائيلي، ويعطي فرصة للدولة
اللبنانية، لإلزام إسرائيل بتطبيق الاتفاق والانسحاب من لبنان، عبر استخدام الطرق الدبلوماسية. لذلك لن يعود الحزب إلى الحرب الآن، لكن إذا استمر الاحتلال باعتداءاته، وفشلت الجهود الدبلوماسية في إجبار إسرائيل على تنفيذ التزاماتها وتعهداتها، سيكون احتمال عودة الحزب إلى المقاومة المسلحة وارداً، لا بل قد يكون الخيار الوحيد المتاح لردع العدوان، وتحرير الأرض.
وأمس أعلن النائب علي فياض أن "لبنان التزم والتزمنا تطبيق القرار 1701 متضمناً وقف إطلاق النار. أما أي ملفات أخرى خارج هذا السياق وخارج النطاق الجغرافي للقرار 1701، فهو شأن سيادي لبناني، يعالجه اللبنانيون في ما بينهم بالطرق والوسائل المناسبة". وأكد أنّ "العدو يمارس سياسة الاغتيال والاستفزاز والتصعيد كي نرضخ أو يجرّنا إلى الحرب مجدّداً، في حين أننا لن نرضخ ولا نريد العودة إلى الحرب مجدّداً لأننا ندرك مصلحة لبنان ونتصرف على هذا الأساس، ونتطلع إلى أن يبقى الموقف اللبناني واحداً ومنسجماً دولة وحكومة وجيشاً ومقاومة، لأن لبنان الكيان والدولة والشعب والأرض مهدد والجميع في مركب واحد".
ويبقى السؤال المركزي اليوم هل يمكن أن يقبل لبنان الرسمي بلجان مدنية للتفاوض مع إسرائيل؟
لقد أبلغ لبنان المبعوثة الأميركية رفضه اقتراح المفاوضات المباشرة مع إسرائيل، وأنه من غير الوارد الذهاب نحو التطبيع مع إسرائيل، كما يؤكد سريوي لـ"لبنان 24"، لكن أورتاغوس في تصريحها أمس، قالت إنها لم تسمع من رئيس الجمهورية رفضه للجان، ويبدو أنها ما زالت مصرة على ممارسة سياسة الضغوط القصوى على لبنان، لتحقيق أقصى ما يمكن تحقيقه، خدمة لإسرائيل.
يطالب لبنان بتطبيق القرار 1701 وطرح العودة إلى اتفاقية الهدنة، التي تضمن السلام على جانبي الحدود لكلا الطرفين، لكن من الواضح أن المشروع
الإسرائيلي ،كما يقول سريوي، لا يبحث عن السلام، لا في غزة ولا مع لبنان، ولو كانت إسرائيل تريد السلام لكان بالامكان تحقيق ذلك. المشروع الإسرائيلي الذي تحدث عنه بنيامين نتنياهو لتغيير خارطة الشرق الاوسط، يشمل إضافة إلى تهجير الفلسطينيين، التوسّع نحو جنوب لبنان وجنوب سوريا، ولذلك نرى إسرائيل تحاول كل يوم تثبيت قواعد اشتباك جديدة، وتقدم طلبات جديدة لمنع عودة الجنوبيين إلى قراهم.
ما طلبته أورتاغوس هو حزمة شروط أمنية واقتصادية وسياسية تراد فرضها كشرط لأي دعم دولي، والسؤال اليوم يتمثل في قدرة لبنان على الصمود والمناورة بين الضغط الدبلوماسي، والحفاظ على السيادة الوطنية، لا سيما وأن الأمم المتحدة، تبدو عاجزة عن كبح المشروع الإسرائيلي التوسعي، في ظل غياب إرادة دولية جادة لتطبيق بنود القرار 1701 على إسرائيل، تماماً كما تضغط به لبنان.