منذ إعلان "القوات اللبنانية" حصولها على حقيبة الخارجية والمغتربين في حكومة الرئيس نواف سلام، أثيرت
الكثير من التساؤلات عن موقف "الشريك المفترض" في الحكومة، أي "حزب الله"، من هذا الإعلان، نظرًا لحساسيّة هذه الحقيبة، التي لطالما شكّلت هاجسًا أساسيًا للحزب، الذي كان يصرّ على أن تكون له "الكلمة الفصل" في تسمية من تُسنَد إليه، وهو ما يفسّر بقاءها بعيدًا عن دائرة خصوم الحزب، على الدوام.
إلا أنّ "حزب الله" الذي قبل بالدخول إلى حكومة قيل إنّ حلفاءه تمّ "إقصاؤهم" منها حتى لا يحصل معهم على الثلث المعطّل، لم يعترض على الأمر، حتى إنّ أيّ تحفّظ لم يصدر عنه، وهو ما برّره
البعض بتغيّر المعادلات، فالحزب الذي أعلن دعم حكومة شكّلت عبارة "المقاومة" هاجسًا لها عند صياغة
البيان الوزاري، لم يكن بإمكانه سوى أن يقبل بإسناد حقيبة الخارجية لـ"القوات"، ممثّلةً بالوزير يوسف رجّي، ولو على مضض.
وفي حين حاول المحسوبون على الحزب في مرحلة سابقة التخفيف من وقع الأمر، بالإيحاء بأنّ حصة "القوات" شكليّة، وأنّ الوزراء المحسوبين عليها لا يتبعون لمعراب بالضرورة، بل تمّت تسميتهم من قبل رئيس الحكومة وتبنّاهم رئيس حزب "القوات"، فإنّ مواقف رجّي لم تنسجم مع هذه الفرضية، حتى إنّها "استفزّت" الحزب، وأخرجته عن صمته، فكيف يُقرَأ كلّ ذلك في السياق العام، وأيّ انعكاساتٍ لهذا الأمر على الحكومة ككلّ، والتضامن الوزاري خصوصًا؟!
"حزب الله" يعترض
صحيح أنّ مجرّد وصول وزير "قواتي" إلى حقيبة الخارجية من شأنه "استفزاز" الحزب، الذي لطالما حرص على أن يكون من يستلم هذه الحقيبة محسوبًا عليه أو قريبًا منه، أو بالحد الأدنى لا يناصبه الخصومة، وصحيح أنّ مواقف الوزير يوسف رجّي "استفزّت" الحزب منذ اليوم الأول، خصوصًا بعد مقابلته الأولى، التي أكد فيها انتماءه لـ"القوات"، بل استفاض في الحديث عن دوره كمقاتل في الحرب الأهلية وحمله البارودة، وغير ذلك.
لكنّ الصحيح أنّ ما صدر عن الوزير رجّي في الأيام الأخيرة، في أكثر من محطّة، وكان آخرها في اللقاء الذي عقد في مقرّ الربطة المارونية، بدا "نافرًا" بالنسبة إلى الحزب، خصوصًا مع قول الوزير رجّي بكلّ صراحة، إن نصّ اتفاق وقف إطلاق النار واضح، وإنه يحدد المجموعات المسموح لها حمل السلاح، "لكن
حزب الله يتنصل منه"، وهذا بالتحديد ما عدّه الحزب على لسان النائب إبراهيم الموسوي، "موقفًا خطيرًا جدًا ينقلب على الثوابت".
وبحسب العارفين بأدبيّات "حزب الله"، فإنّ اعتراض الحزب ليس فقط على كون الرجل تحدّث بلسان "القوات اللبنانية"، التي لا تفوّت فرصة من دون الهجوم على الحزب، وتصويره مهزومًا بنتيجة الحرب الأخيرة، وليس بلسان الحكومة
اللبنانية التي ظهّرت موقفها بوضوح في بيانها الوزاري، ولكن قبل ذلك لكونه بمثل هذا الموقف يعطي صكّ براءة للعدو، ويتبنّى سرديّته في تبرير اعتداءاته وخروقاته المتواصلة، بذريعة أن "حزب الله لا ينفذ الاتفاق".
ما موقف الحكومة؟
في ردّ النائب إبراهيم الموسوي على وزير الخارجية، الذي وزّعته العلاقات الإعلامية في "حزب الله"، ما أضفى عليه طابعًا رسميًا، دعوة صريحة إلى الحكومة، إلى "أن تبادر إلى تصحيح" تصريحات الوزير يوسف رجّي، "كونها تشوّه الحقائق وتضرّ بالمصلحة الوطنية"، وفق قوله، مع التشديد على أنّ "حزب الله"، وخلافًا لأقوال الوزير، "ملتزم بما التزمت به الحكومة
اللبنانية بموجبات القرار 1701 وورقة الإجراءات التنفيذية".
وإذا كان كلام الموسوي يضع ما يسمّى بـ"التضامن الوزاري" على المحكّ، ولو أنّ مثل هذا "الكباش" متوقّع منذ اليوم الأول، لكون الحكومة تجمع "الأضداد" تمامًا كما كانت تفعل حكومات الوحدة الوطنية، التي سمّاها رئيس الحكومة نواف سلام بـ"حكومات الشلل الوطني"، فإنه يطرح العديد من علامات الاستفهام حول الانعكاسات المحتملة على الحكومة ككلّ، فكيف يمكن أن تصمد في ظلّ مثل هذه التباينات بين مكوّناتها، وفي قضايا بهذا الحجم؟
يقول العارفون إنّ الانعكاسات تبقى حتى الآن، "محصورة" بحجم "رد الفعل" الذي صدر عن النائب الموسوي على كلام رجّي، فـ"حزب الله" الذي لا يقدر على "تمرير" كلام من هذا النوع، تلقّفته بيئته الحاضنة سلبًا قبله، لم يكن من الممكن أن يمرّره مرور الكرام، ولكنّه في الوقت نفسه لن يقف عنده طويلاً، لأنّ "مصلحته" في ظلّ المعادلات القائمة حاليًا، تبقى في الحفاظ على حضوره الوازن في الحكومة، وإلا لما قَبِل بالدخول إليها من الأساس.
قد يكون وزير الخارجية "صادقًا مع نفسه" بالتصريحات التي يطلقها، فهو لم يُخفِ انتماءه لـ"القوات"، والقاصي والداني يدرك موقف "القوات" من "حزب الله". وقد يكون الوزير في الوقت نفسه، "خرج" عن سياسة الحكومة، فاستفزّ الحزب، أو ربما "أحرجه" بين ناسه وجمهوره. لكنّ الأكيد أنّ ما جرى يعيد طرح إشكالية قديمة جديدة، حول تغليب الوزراء لانتماءاتهم الحزبية، وهو ما يبدو أنّ الحكومة الحاليّة لم تنجح في تجاوزه رغم كلّ شيء!