ذكر موقع "The National Interest" الأميركي أنه "بالنسبة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، تُمثل الحرب الأخيرة في
الشرق الأوسط فرصةً سانحة. للوهلة الأولى، بدا أن الضربات العسكرية الأميركية والإسرائيلية ضد البرنامج النووي
الإيراني تُمثل انتكاسةً استراتيجيةً للكرملين أيضًا، نظرًا لدعم
روسيا المُستمر للجمهورية الإسلامية. ومع ذلك، فإن روسيا تستغل اللحظة بمهارة، ليس لإنقاذ
إيران، بل لإعادة تأكيد نفسها على الساحة العالمية، وللتعويض عن
العقوبات الغربية، ولتغيير زخم الحرب في أوكرانيا".
وبحسب الموقع، "منذ شن غزوها الكامل لأوكرانيا في شباط 2022، اعتمدت روسيا بشكل كبير على طهران لدعم حملتها العسكرية. فقد سدّت طائرات "شاهد-136"
الإيرانية الصنع ثغرةً حرجةً في الترسانة الروسية، مما مكّنها من شنّ ضرباتٍ متواصلة على البنية التحتية الأوكرانية. وفي عام 2023، توطّدت الشراكة عندما وقّع البلدان اتفاقيةً لإنتاج طائراتٍ إيرانيةٍ مُسيّرةٍ بشكل مشترك في منطقة تتارستان الروسية، مما أتاح دمج التكنولوجيا الإيرانية في الإنتاج الدفاعي المحلي الروسي".
وتابع الموقع، "منذ بدء الشراكة، ازدادت قدرات موسكو الهجومية بشكل كبير، مما أدى إلى زيادة هائلة في نطاق وحجم هجمات الطائرات المسيّرة على أوكرانيا. ومع ذلك، لم يصل هذا التعاون الروسي الإيراني إلى حد الالتزام الدفاعي الرسمي. وحتى معاهدة الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين إيران وروسيا، التي وُقِّعت مؤخرًا، والتي تُوسِّع التعاون العسكري والاقتصادي والسياسي بين موسكو وطهران، تفتقر بشكلٍ ملحوظ إلى بندٍ يتعلق بالدفاع المشترك. وقد أدى هذا القصور إلى ترك إيران عالقة في مواجهة التصعيد الأخير من جانب الغرب. في الواقع، عندما ضربت
إسرائيل والولايات المتحدة المنشآت النووية الإيرانية أواخر حزيران، لم تُلبَّ دعوات طهران للدعم إلى حد كبير. وما تلقته بدلاً من ذلك كان إدانةً مُصاغةً بعناية من موسكو، ولا شيء غير ذلك. فرغم كل المساعدة العسكرية التي قدمتها إيران لروسيا في حربها مع أوكرانيا، يبدو أن بوتين غير مهتم برد الجميل".
وأضاف الموقع، "لعل السبب في ذلك هو أن دور إيران كمورد أساسي لحرب موسكو يتضاءل. في الواقع، مع تصاعد التوترات، سارع بوتين إلى استعراض مكانته كزعيم عالمي وحيد يتمتع بعلاقات مفتوحة مع كافة الأطراف. وفي الأيام التالية، أجرى بوتين محادثات مباشرة مع رئيس الوزراء
الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، والرئيس الأميركي
دونالد ترامب. وفي وقت لاحق، دعت روسيا، في اجتماع طارئ لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، إلى جانب نظيرتيها الصينية والباكستانية، إلى وقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار في الشرق الأوسط".
وبحسب الموقع، "هذه الإجراءات لا تُعزى إلى رغبة موسكو في تهدئة الأزمة، بل تعكس رغبتها في استغلالها. وتستغل روسيا الأزمة لإعادة تأكيد وجودها كفاعل دبلوماسي محوري في المنطقة، تمامًا كما فعلت خلال مفاوضات خطة العمل الشاملة المشتركة الأصلية عام 2015. ورغم أنه من غير المرجح أن تحتضن
واشنطن موسكو كشريك في المفاوضات المستقبلية، فإن بوتين لا يزال قادراً على استغلال علاقات حكومته مع إيران لخلق وهم الأهمية الدبلوماسية الإقليمية وتعزيز تلك الصورة بين القوى غير الغربية. في غضون ذلك، منحت الحرب بين إيران وإسرائيل دفعةً غير متوقعة للاقتصاد الروسي. فبسبب تحديد مجموعة الدول السبع سعرًا للبرميل عند 60 دولارًا، انخفضت عائدات النفط في روسيا بمقدار الثلث منذ العام الماضي، إلا أن مخاوف السوق بشأن الصراع في الشرق الأوسط دفعت أسعار النفط إلى الارتفاع. ويتداول خام الأورال الآن فوق الحد الأدنى، مما قد يُطلق العنان لإيرادات إضافية بمليارات الدولارات لخزانة روسيا. في الوقت عينه، قد تدفع اضطرابات صادرات النفط الإيرانية الدولَ المعتمدة على النفط، مثل الصين، إلى اللجوء بشكل متزايد إلى الإمدادات الروسية كبديل آمن".
وتابع الموقع، "مع ذلك، لا يكمن أكبر مكسب لروسيا في الدبلوماسية أو النفط، بل في حالة عدم اليقين المستمرة بشأن حسم الغرب في أوكرانيا. ورغم تعهد
ترامب منذ ذلك الحين بزيادة شحنات الأسلحة الدفاعية إلى كييف عقب تقارير عن "توقف" البنتاغون عن بيع الأسلحة، إلا أن تركيز واشنطن الاستراتيجي يتزايد اتساعًا، لا سيما الآن في ظل تفاقم عدم الاستقرار في الشرق الأوسط. بالنسبة لروسيا، قد تُتيح نقاشات
الولايات المتحدة حول موقفها الاستراتيجي فرصةً لإعادة تنظيم صفوفها، وربما تسريع حملتها في أوكرانيا من جديد. وفي حين تباطأت مكاسب موسكو الإقليمية على مدار الحرب، فإن ارتفاع عائدات النفط وتراجع التزامات واشنطن قد يُسهمان في عكس هذا الاتجاه. بالتوازي مع ذلك، تستغل
وسائل الإعلام الحكومية الروسية وشبكات التضليل الإعلامي الأزمة بالفعل، وتروج لرواية تُصوّر الولايات المتحدة على أنها متهورة ومزعزعة للاستقرار. والهدف واضح: تقويض الثقة بالقيادة الأميركية لدى الحلفاء الغربيين والشركاء الحذرين في دول الجنوب العالمي".
وختم الموقع، "لذا، فإن التوترات المستمرة بين إسرائيل وإيران ليست أزمة إقليمية بالنسبة لبوتين، بل فرصة استراتيجية. وفي الوقت الذي يفكر فيه ترامب في الخطوات التالية في أعقاب الحرب
الإسرائيلية الإيرانية، يُهيئ نظيره الروسي نفسه ليكون الرابح الحقيقي منها".