Advertisement

خاص

مفاوضات مفخّخة… غزّة ما بين الخرائط والنار

ايناس كريمة Enass Karimeh

|
Lebanon 24
12-07-2025 | 04:00
A-
A+
Doc-P-1390243-638879152743902326.png
Doc-P-1390243-638879152743902326.png photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
Messenger
في الوقت الذي تبدو فيه المفاوضات القائمة بشأن غزة وكأنها تحاول بلوغ تسوية إنسانية، تكشف الوقائع التي تُناقش خلف الأبواب المغلقة عن منحى مغاير تماماً. فالمعطيات التي تسرّبت من أوساط متابعة للمباحثات الجارية في الدوحة تشير إلى أن الطروحات الإسرائيلية لا تتصل بإطفاء نار الحرب بقدر ما تنسج خيوط مرحلة انتقالية تحمل في طيّاتها مشروعاً لإعادة تركيب الجغرافيا والسكان، تحت عناوين ظاهرها تهدئة وباطنها إعادة تموضع قسري.
Advertisement

يتقن الاحتلال استخدام اللغة التفاوضية كأداة لتثبيت ما عجز عنه في الميدان. فبينما تُطرح مسألة الأسرى كمدخل لتفاهم ممكن، يتعمد الطرف الإسرائيلي تحميل العملية برمّتها أوزاناً سياسية وأمنية غير قابلة للهضم. إذ إنّ ما يجري التلويح به في ملف إعادة الانتشار يكشف أن الطموح العسكري لا يزال حاضراً، ولو غُلّف بغطاء مدني أو إنساني.

وفق مصادر مطلعة على طبيعة المقترحات، فإن التصوّر الإسرائيلي لا يتناول فقط الجوانب الأمنية، بل يتضمن تعديلاً جوهرياً على الخارطة الميدانية، مع التركيز على مناطق جنوب القطاع، حيث تُرسم خطوط جديدة توحي بأن مسألة الحضور العسكري في جزء من غزة ليست مسألة ظرفية، بل هدف يتمّ تثبيته تدريجياً بموافقة شكلية من الوسطاء. ولعلّ ما يتسرّب عن هذه الخرائط يشي بنية لبناء واقع سكاني مُدار من الخارج، يُعاد فيه توزيع الفلسطينيين ضمن مساحات مغلقة تخضع لإشراف غير فلسطيني، ما يذكّر بصيغ قديمة أعيد تدويرها بمنهج ناعم.

هذه الطروحات تُقدَّم وكأنها ترتيبات مؤقتة، لكنها في بنيتها تمهّد لواقع لا يمكن تفكيكه بسهولة لاحقاً. فما يُعرض ليس اتفاقاً يُنهي حرباً، بل صيغة تكبّل الحركة على الأرض، وتخلق حقائق تتآكل معها فكرة العودة إلى ما قبل المواجهة الأخيرة. ومع ذلك، لا يتعامل الاحتلال بنديّة، بل يواصل سلوك المراوغة، مستنداً إلى توازنات سياسية داخلية تمنعه من تقديم أي تنازل يبدو وكأنه رضوخ، خاصة في ظلّ ضغط الأطراف المتشددة التي تفرض حدوداً ضيقة لأي انفتاح تفاوضي.

في موازاة ذلك، يتقدّم الاعتبار النفسي في الحسابات الإسرائيلية كعامل لا يقل وزناً عن الميداني. فالخروج من القطاع من دون تحصيل ما يُسوَّق كإنجاز ملموس، سيفسَّر كنكسة سياسية وأمنية، وهذا وحده كافٍ لإبقاء حالة الاشتباك قائمة حتى داخل خطاب التهدئة.

على المستوى الإقليمي، تُقرأ هذه التعقيدات ضمن سياق أوسع تُربط فيه نتائج التفاوض بمسارات أكثر تعقيداً، إذ يتداخل فيها العامل المحلي مع رهانات تتعلّق بإعادة رسم الاصطفافات في المنطقة. فالمطلوب ليس فقط إخراج غزة من المعادلة، بل استخدامها كمعبر نحو تطبيع أوسع، يكتسب شرعية من كون العائق الأهم قد جرى تطويعه. وهذا ما يفسّر الإصرار على تثبيت وقائع لا يمكن التراجع عنها، بدل السعي إلى تهدئة متوازنة.

أمام هذا المشهد، تتآكل فرص الحل الفعلي لحساب إدارة مدروسة للمأزق. فبين خطاب يبدو وكأنه يتجه نحو التفاهم، ومضامين تُصاغ بروح الهيمنة، تصبح المفاوضات أداة صراع أخرى، تُدير بها إسرائيل المعركة من دون ضجيج، وتراكم عبرها ما لم تنجح في فرضه بالنار. 
 
مواضيع ذات صلة
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

إشترك
Author

ايناس كريمة Enass Karimeh

Lebanese journalist, social media activist and communication enthusiast