في زيارة تحمل أكثر مما تعلن، حل
الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان ضيفا على مسقط، بينما تسابق مساع دبلوماسية الوقت لإعادة الروح إلى
الاتفاق النووي المترنح بين
طهران وواشنطن. وبينما تبدو الزيارة رسميا لتعزيز العلاقات الثنائية، إلا أن ما بين السطور يكشف عن تحركات لفتح كوة في جدار الجمود
النووي. فما هي الرسائل التي تحملها طهران؟ وهل باتت الصفقة النووية أقرب مما يتصور البعض، في ظل رئاسة
ترامب؟.
تأتي زيارة بزشكيان إلى سلطنة عمان في وقت بالغ الحساسية، وسط جولة خامسة من المحادثات النووية لم تسفر بعد عن نتائج حاسمة.
وتعد سلطنة عمان، كعادتها، مركز الثقل الإقليمي لوساطة هادئة وفعالة بين الطرفين. لكن زيارة الرئيس
الإيراني في هذا التوقيت بالذات أعادت تفعيل التكهنات بشأن اقتراب صفقة مرحلية أو تفاهم مؤقت.
ووفق ما صرح به محمد صالح صدقيان، المحلل الخاص لـ"
سكاي نيوز عربية"، فإن هذه الزيارة "مهمة" لأنها تتقاطع مع المسار السياسي والاقتصادي بين طهران ومسقط، والذي شهد نمو لافت خلال السنوات الأخيرة. فقد ارتفع حجم التبادل التجاري بين البلدين من 20 مليون دولار إلى أكثر من 2 مليار خلال عامين فقط، في دلالة على تقارب استراتيجي يتجاوز الشكليات.
لكن صدقيان يلمح إلى ما هو أعمق من الأرقام؛ فاللقاء بين بزشكيان والسلطان هيثم بن طارق، والتوقيع على 18 مذكرة تفاهم، لم يكن سوى الغلاف العلني لتحركات دبلوماسية تستهدف تحريك الجمود في ملف التخصيب النووي، وهو العقدة الأكبر التي تحول دون أي اختراق تفاوضي.
وكشف صدقيان أن الجانب العماني قدم مقترحين إلى كل من طهران وواشنطن. الأول يتضمن تشكيل كيان صناعي عربي إيراني مشترك لتخصيب اليورانيوم، كوسيلة لموازنة السيطرة التقنية ومخاوف الانتشار. أما المقترح الثاني، فينص على تعليق
إيران مؤقت لنشاطات التخصيب مقابل رفع جزئي للعقوبات، تشمل الإفراج عن أموال مجمدة والسماح بتصدير
النفط.
ورغم أن إيران أعلنت رسميا أن هذه المبادرات «قيد الدراسة»، إلا أن اللهجة المستخدمة تشير إلى استعداد غير معلن للتفاعل الإيجابي، ما لم تمس هذه المقترحات جوهر السيادة النووية.
ويرى صدقيان أن عمان «تعمل باحترافية» لتجنب سيناريو الاصطدام، وهي تستثمر رصيدها التاريخي من الوساطة بين طهران والغرب، كما حدث قبيل توقيع اتفاق 2015. ويضيف: "الوسيط العماني اليوم يلعب دور أكبر مما كان عليه في السابق".
وتتباين قراءات الداخل الإيراني للمفاوضات النووية. تصريحات بزشكيان الأخيرة، بأن إيران "لديها مئة طريق إذا فشلت المفاوضات"، تؤكد على خطاب مزدوج: صلابة أمام الداخل، وانفتاح محسوب للخارج.
فقد شدد المرشد الأعلى نفسه على ضرورة عدم حصر الرهانات على المفاوض الأميركي، وهو ما يترجم سياسيا بتوسيع علاقات طهران نحو الشرق، وتحديدًا مع
الصين، ومنظومة البريكس ومنظمة شنغهاي.
ويرى صدقيان أن هذه المواقف تشكل "رسالة مزدوجة": طمأنة للشارع الإيراني بأن البلاد لن ترهن لنتائج تفاوضية، وتحفيز للمفاوض الأميركي بأن لدى طهران بدائل جدية، بما في ذلك استثمار الاتفاقية الاستراتيجية مع بكين، البالغة قيمتها 400 مليار دولار على مدى 25 عام.