على مدى عقود، لجأ الرؤساء الأميركيون إلى استخدام أجهزة التوقيع الآلي (أوتوبن) للتعامل مع السيل الكبير من الأوراق التي تتدفق على مكاتبهم.
ويتجاوز الأمر مجرد تجنب إجهاد اليد، فعندما يكون الرئيس مسافراً، تتطلب بعض المستندات العاجلة، مثل مشاريع
قوانين استمرارية عمل الحكومة، توقيعا فورياً، بينما يصعب عمليا إرسال المستندات الأصلية إلى موقع تواجد الرئيس.
غير أن هذه التقنية تثير منذ مدة تساؤلات عديدة، إذ تفتح المجال لاحتمالية ممارسة أي شخص يستطيع الوصول للجهاز صلاحياتٍ رئاسية، دون وجود توثيق كتابي يؤكد موافقة الرئيس شخصيا على ذلك.
وعاد الجدل بشأن هذه التقنية في أعقاب اتهام الرئيس دونالد ترامب لسلفه جو بايدن بتوقيع سلسلة من قرارات العفو الاستباقية في كانون الثاني الماضي، لعدد من الأشخاص باستخدام التوقيع الآلي بدلا من توقيعه الشخصي.
وكتب ترامب عبر منصته "تروث سوشال"، أن قرارات العفو هذه "تُعتبر بموجب هذا لاغية وباطلة وليس لها أي مفعول قانوني آخر نظراً لكونها صدرت بواسطة التوقيع الآلي".
وإذا صحت مزاعم ترامب بشأن استخدام التوقيع الآلي، فإن ذلك يفتح الباب أمام وزارة العدل لملاحقة خصومه السياسيين المعفى عنهم، أمام
القضاء، ويغيّر من طبيعة السلطة الرئاسية بشكل جذري وإلى الأبد، وفقا لوكالة بلومبرغ.
ما هو التوقيع الآلي (أوتوبن)؟
التوقيع الآلي هو اسم عام يُطلق على آلة تستخدم حبراً حقيقياً لإعادة إنتاج التوقيعات.
وتتكون هذه الآلة نت ذراع يحمل قلم رصاص أو حبر بإمكانه إعادة إنتاج التوقيع المبرمج على الورق الموضوع تحته، مما يجعل التوقيع يبدو وكأنه مكتوب بخط اليد.
تطور تقنية التوقيع الآلي واستخدامها الرئاسي
سُجلت براءة اختراع أول جهاز كتابة ميكانيكي عام 1803، الذي ابتكر نظاماً ذكياً يربط قلمين عبر مجموعة من الروافع لإنتاج نسخة مطابقة من الوثيقة الأصلية.
وكان المستخدم يكتب بقلم أساسي، فيتحرك القلم الثاني بتناغم على ورقة منفصلة، مما أعجب الرئيس توماس جيفرسون الذي أشاد به كـ"أفضل اختراع في العصر الحالي" واستخدمه بانتظام.
وتطورت هذه التقنية لاحقاً لتصل إلى مرحلة متقدمة تتيح لذراع آلية استنساخ التوقيع دون تدخل بشري.
وانتشرت أجهزة التوقيع الآلي في المؤسسات الحكومية الأميركية، خلال أربعينيات القرن الماضي، ليصبح هاري ترومان أول رئيس يتبناها رسمياً.
وبدأ استخدام الرؤساء لهذه التقنية بتوقيع المراسلات الجماعية الاحتفالية كبطاقات الأعياد ورسائل التعازي.
وحرصاً على الاحتفاظ بانطباع الخصوصية، تعامل البيت الأبيض بحذر عند الحديث عن هذه الممارسة، إلى أن كسر ليندون جونسون هذا الستار في 1968 بالسماح بتصوير جهازه لصالح مقال في "ناشيونال إنكوايرر" بعنوان "الروبوت الذي ينوب عن الرئيس".
وكان باراك أوباما أول من استخدم التوقيع الآلي للتوقيع على تشريع فيدرالي عندما وقع عن بُعد على تمديد قانون باتريوت من أوروبا عام 2011.
ووظف هذه التقنية لتوقيع 7 مشاريع
قوانين حساسة على الأقل، إضافة إلى 78 عفواً رئاسياً في شهره الأخير بالبيت الأبيض. وقد أثار هذا الاستخدام مساءلات من بعض أعضاء الكونغرس الجمهوريين.
أما دونالد ترامب، فقد أقر باستخدامه للتوقيع الآلي لكن حصراً "للأوراق غير المهمة"، بينما ذكرت شبكة "NBC" أن بايدن، على غرار سلفه أوباما، له تاريخه الخاص مع هذه التقنية.
هل استعمال هذا النوع من التوقيعات قانوني؟
خلال رئاسة أوباما، أثار جمهوريون اعتراضات على استخدامه للتوقيع الآلي لتوقيع التشريعات. إذ وقع مجموعة من الأعضاء في الكونغرس، عام 2011، رسالة تطالبه بإعادة
توقيع تمديد قانون باتريوت بخط اليد وإنهاء ممارسة
توقيع مشاريع القوانين بالتوقيع الآلي.
وقبلها في 2005، التمس محامو البيت الأبيض رأيا قانونيا من وزارة العدل حول مشروعية
توقيع التشريعات بهذه الطريقة.
وأقرت الوزارة أن المفهوم التاريخي والقانوني للتوقيع يسمح للشخص "بالتوقيع على مستند من خلال توجيه آخر بإضافة توقيعه"، وأن الرئيس ليس ملزماً بأداء الفعل المادي للتوقيع، لكنه لا يستطيع تفويض قرار التوقيع ذاته.
ولم يتم الطعن في هذه الممارسة أبدا في المحكمة، وفقا لوكالة بلومبرغ.
وتنص مذكرة رأي من مكتب المستشار القانوني بوزارة العدل خلال فترة الرئيس جورج دبليو بوش، في البيت الأبيض على أن الرئيس يمكنه
توقيع مشروع قانون عبر أمر شخص تحت إمرته "بإضافة
توقيع الرئيس عليه".
موقف ترامب
وأكد البيت الأبيض أن الرئيس ترامب لا يستخدم التوقيع الآلي للوثائق القانونية الملزمة مثل قرارات العفو.
وأوضح مسؤول في البيت الأبيض لشبكة فوكس نيوز، أن السياسة الرسمية لإدارة ترامب خلال فترتي رئاسته كانت تقضي باستخدام
توقيع ترامب اليدوي على كل وثيقة تنفيذية أو ملزمة قانونياً.
وصرح ترامب للصحفيين على متن طائرة الرئاسة "إير فورس ون"، الأحد بأنه رغم استخدامه للتوقيع الآلي في المراسلات، فإن استخدامه لتوقيع وثائق مثل قرارات العفو يعد "أمرا مخزياً".
وقال ترامب: "قد نستخدمه، على سبيل المثال، لإرسال رسالة لشاب ما لأن ذلك أمر لطيف. تصلنا آلاف الرسائل، رسائل دعم للشباب، من أشخاص لا يشعرون بخير وما إلى ذلك. لكن
توقيع قرارات العفو وكل الأشياء التي وقعها باستخدام التوقيع الآلي أمر مخزٍ".
كذلك، أشار ترامب، الأحد، إلى أنه يتعين على المحاكم أن تقرر ما إذا كان استخدام بايدن للتوقيع الآلي للأوامر التنفيذية وقرارات العفو يعني أنها باطلة. (الحرة)