شهدت الأسواق المالية العالمية تراجعًا حادًا إثر إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب عن فرض رسوم جمركية على واردات من كندا، الصين، والمكسيك، إلى جانب تهديده بفرض رسوم على الاتحاد الأوروبي. هذا التصعيد في السياسات التجارية أضاف مزيدًا من الغموض في صفوف المستثمرين، الذين لجأوا إلى الأصول الآمنة كملاذات استثمارية. وأدى القرار إلى هبوط العقود الآجلة للأسهم، وزيادة المخاوف حول تأثيراته السلبية على الاقتصاد العالمي، خصوصًا مع تزايد الاحتمالات بوجود تداعيات طويلة الأمد على الاقتصادات الكبرى.
ورغم الاضطرابات التي عصفت بالأسواق، تساءل العديد من المحللين: لماذا يُعد هذا القرار مفاجئًا؟ فالأمر لم يكن جديدًا، بل كان جزءًا من وعود ترمب منذ بداية حملته الانتخابية. وقد استمر في تكرار تلك الوعود بعد فوزه في الانتخابات، حيث أشار إلى أرقام وتواريخ محددة للبدء في تنفيذ هذه الرسوم في الأسبوع الماضي.
في هذا السياق، ذكر متداولون في موقع "بارونز" أن العديد من المتداولين كانوا يشككون في حدوث تغييرات جوهرية. بل على العكس، شهدت الأسهم انتعاشًا ملحوظًا في كانون الثاني، مدفوعة بتفاؤل المستثمرين من أن إلغاء القيود والتخفيضات الضريبية ستسهم في تعزيز أرباح الشركات.
والسبب الذي جعل المستثمرين يتجاهلون هذه الإشارات الواضحة إلى حد ما هو أن التعريفات الجمركية لا تبدو منطقية، وفق "بارونز". كما أشار جورج سارافيلوس، الخبير الاستراتيجي في "دويتشه بنك"، إلى أن التعريفات الجمركية أكبر بثلاث مرات مما تم تسعيره في السوق - وخمسة أضعاف الإجراءات التراكمية التي اتخذها ترامب في فترة ولايته الأولى. وقد ربط المستثمرون هذا القرار بتصعيد في التوترات التجارية، مما أثار قلقاً بشأن ارتفاع التكاليف وتأثير ذلك على النشاط الاقتصادي العالمي. وعكست الأسواق رد فعل سريعاً بإعادة تقييم المخاطر، حيث اعتبر العديد من المحللين أن هذه الخطوة تمثل توجهاً أكثر تشدداً في السياسة التجارية الأميركية، وليست مجرد أداة تفاوضية كما كان يُتوقع سابقاً. من ناحية أخرى، حذّر الخبراء من أن التصعيد التجاري قد يؤدي إلى زيادة التضخم نتيجة لارتفاع تكاليف الواردات، ما قد يضطر مجلس الاحتياطي الفيدرالي إلى تبني سياسات نقدية أكثر تشدداً.
وفي مواجهة هذه التطورات، أقر ترمب بأن الإجراءات الجديدة قد تفرض بعض الأعباء على المستهلكين الأميركيين، لكنه شدد على أن التكلفة ستكون "مستحقة" في النهاية. في المقابل، حذر بول آشورث من "كابيتال إيكونوميكس" من أن هذه الخطوة قد تسهم في تسريع وتيرة التضخم بصورة أسرع من المتوقع. من جهته، توقع غريغ داكو، كبير خبراء الاقتصاد في "إرنست آند يونغ"، أن تؤدي الرسوم الجمركية إلى تقليص النمو الاقتصادي الأميركي بمقدار 1.5 نقطة مئوية هذا العام، مع احتمال دخول كندا والمكسيك في حالة ركود، بينما تواجه الولايات المتحدة مخاطر "الركود التضخمي"، الذي يتسم بالنمو البطيء والتضخم المرتفع في الوقت ذاته. وفي الأسواق، أشار استراتيجيون من "باركليز" إلى أن هذه الرسوم قد تؤدي إلى تراجع أرباح شركات مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" بنسبة 2.8 في المائة، في ضوء التأثيرات المباشرة وغير المباشرة لهذه الإجراءات، بما في ذلك ردود الفعل الانتقامية من الشركاء التجاريين.
الأسهم تتراجع وسط قلق من التداعيات
وتراجعت أسواق الأسهم العالمية والعملات وسط مخاوف من أن تؤدي الرسوم الجمركية إلى نشوب حرب تجارية تضر بالاقتصاد. وانخفض مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" بنسبة 1.4 في المائة في التداولات المبكرة بعد خسائر مشابهة لأسواق الأسهم في آسيا وأوروبا. كما تراجع مؤشر "داو جونز" الصناعي بمقدار 435 نقطة، أي بنسبة 1 في المائة، بينما انخفض مؤشر "ناسداك" المركب بنسبة 1.8 في المائة. وفي "وول ستريت"، كانت بعض أكبر الخسائر من نصيب الشركات التكنولوجية الكبرى وغيرها من الشركات التي قد تتأثر بشكل أكبر بارتفاع أسعار الفائدة. كما تراجعت أسهم شركات صناعة السيارات، التي تستورد بكثافة من المكسيك، وانخفضت أسهم "جنرال موتورز" بنسبة 5 في المائة.
وبدلاً من الأسهم والعملات المشفرة، انتقل المستثمرون إلى سندات الحكومة الأميركية، التي تعتبر من أكثر الاستثمارات أماناً. وارتفعت عوائد السندات قصيرة الأجل يوم الاثنين في وقت تقلصت فيه التوقعات بتخفيضات في الفائدة من الاحتياطي الفيدرالي. وارتفع العائد على السندات لمدة عامين إلى 4.24 في المائة من 4.21 في المائة. وتضع العوائد المرتفعة ضغوطاً على جميع أنواع الاستثمارات، لكنها تمثل عبئاً خاصاً على الأسهم التي تعتبر الأكثر تكلفة. ويسلط هذا الضوء على الشركات مثل "إنفيديا" وغيرها من الشركات الرابحة من ازدهار الذكاء الاصطناعي. وانخفضت أسهم "إنفيديا" بنسبة 5.3 في المائة وكانت أكبر مساهم في انخفاض مؤشر "ستاندرد آند بورز 500".
وتراجعت الأسهم الأوروبية، وانخفض مؤشر "ستوكس 600" الأوروبي 1.3 في المائة مسجلاً أكبر تراجع يومي له هذا العام. وفي وقت الظهيرة في أوروبا، انخفض مؤشر "داكس" الألماني بنسبة 2 في المائة، وانخفض مؤشر "كاك" الفرنسي 1.9 في المائة. كما تراجعت أسهم أكبر شركات صناعة السيارات الأوروبية، التي تعد من أكثر القطاعات عرضة للرسوم الجمركية، بنسبة تجاوزت 3 في المائة، في حين كانت أسهم التكنولوجيا في المنطقة من بين أكبر الخاسرين، حيث انخفضت بنسبة تزيد على 2 في المائة. كما هبطت العملة الأوروبية الموحدة (اليورو) 0.9 في المائة. وانخفض مؤشر "فوتسي 100" البريطاني 1.3 في المائة، في حين تراجعت قيمة الجنيه الإسترليني 0.4 في المائة بعد أن صرح ترمب بأن المملكة المتحدة قد تتمكن من تجنب الرسوم الجمركية رغم "عدم التوافق" في التجارة، إلا أنه أكد أن ذلك قد لا يكون ممكناً مع الاتحاد الأوروبي.
وانتهت الأسهم في طوكيو على انخفاض بلغ نحو 3 في المائة وانخفض المؤشر الرئيسي لأستراليا - الذي يعتبر في كثير من الأحيان مؤشراً للأسواق الصينية - بنسبة 1.8 في المائة. أما الأسهم في هونغ كونغ، التي تشمل إدراجات الشركات الصينية، فقد أنهت تداولاتها دون تغيير يذكر بعد استئنافها من عطلة رأس السنة الصينية. بينما ستستأنف الأسواق الصينية في البر الرئيسي تداولاتها يوم الأربعاء.
وانخفض البيزو المكسيكي 1.8 في المائة ليصل إلى أدنى مستوى له في نحو ثلاث سنوات، حيث يذهب أكثر من 80 في المائة من صادرات المكسيك إلى الولايات المتحدة، أكبر شريك تجاري لها على الإطلاق. وتراجع الدولار الكندي بشكل ملحوظ أمام الدولار الأميركي، متأثراً بتقلبات السوق، حيث انخفض 1 في المائة ليصل إلى 1.4665 دولار كندي مقابل الدولار الأميركي، أي ما يعادل 68.19 سنت أميركي، بعد أن تراوح خلال اليوم بين 1.4599 و1.4793. وفي مكان آخر، تراجعت الأصول في جنوب أفريقيا بعد أن أعلن ترمب عن قراره بقطع التمويل عن البلاد. وانخفض الراند بنسبة 1.2 في المائة، كما انخفض السند الحكومي القياسي لعام 2030 وارتفع العائد بمقدار 16.5 نقطة أساس ليصل إلى 9.22 في المائة. كما خسر مؤشر الأسهم الرئيسي 0.8 في المائة.
كما قلص اليوان الصيني الخارجي بعض خسائره بعد أن لامس أدنى مستوى قياسي له عند 7.3765 مقابل الدولار، بينما أغلقت أسهم هونغ كونغ مستقرة تقريباً بعد أن سجلت أدنى مستوى لها في أكثر من أسبوع. وتراجعت السندات الدولارية الصادرة في اقتصادات الأسواق الناشئة مثل مصر والأردن وكينيا. وانخفض مؤشر "إم إس سي آي" الذي يتتبع عملات الأسواق الناشئة العالمية بنسبة 0.5 في المائة ليصل إلى مستويات لم تشهدها الأسواق منذ أسبوعين، في حين انخفض مؤشر الأسهم بنسبة 1.8 في المائة.
وسجلت عملة "بيتكوين"، أكبر عملة مشفرة في العالم، أدنى مستوى لها في ثلاثة أسابيع عند 91441.89 دولار بتراجع قدره 6.2 في المائة. من جهة أخرى، خسرت العملة المشفرة الأصغر "إيثر" نحو 25 في المائة من قيمتها منذ يوم الجمعة، مسجلة أكبر تراجع لها في ثلاثة أيام منذ تشرين الثاني 2022؛ حيث وصلت قيمتها إلى 2592.14 دولار.
في المقابل، استعاد الذهب خسائره المبكرة يوم الاثنين، ووصل في المعاملات الفورية إلى أعلى مستوى له على الإطلاق عند 2818.27 دولار للأوقية بفضل الطلب على المعدن الأصفر كملاذ آمن، مدفوعاً بمخاوف من تباطؤ النمو والتضخم، التي أشعلتها الرسوم الجمركية.
أسعار المعادن الصناعية تتراجع
وتراجعت أسعار المعادن الصناعية في بورصة لندن للمعادن؛ حيث هبط النحاس إلى أدنى مستوى له في 4 أسابيع، متأثراً بالمخاوف من أن الرسوم الجمركية الأميركية على الواردات قد تُلقي بظلالها على النمو الاقتصادي والطلب. وانخفض النحاس القياسي 0.7 في المائة ليصل إلى 8985 دولاراً للطن المتري في التداول الرسمي، بعدما لامس أدنى مستوى له منذ 6 كانون الثاني عند 8914.50 دولار. كما تراجع سعر الألمنيوم لمدة ثلاثة أشهر 0.6 في المائة إلى 2579 دولاراً للطن. وانخفض الرصاص بنسبة 0.3 في المائة إلى 1944 دولاراً، كما هبط القصدير 1.2 في المائة إلى 29750 دولاراً، والنيكل 0.7 في المائة إلى 15110 دولارات، في حين ارتفع الزنك 0.1 في المائة ليصل إلى 2745 دولاراً. (الشرق الاوسط)