أغلقت قوات الأمن "الآسايش" في محافظة السليمانية أربعة مكاتب ومراكز مقربة من حزب العمال الكردستاني وهي مؤسسة "حركة المرأة الحر" وشركات "نوغار" و"مارزيا" و "كيزينك"، التي تُنتج مواد إعلامية بداعي انتهاء تراخيص عملها.
مدير إعلام آسايش السليمانية سلام عبد الخالق أكد لموقع "الحرة" أن إغلاق هذه المنظمات والمراكز أعتمد الأمر القضائي الذي صدر من بغداد قبل أشهر، ولا يتطلب أمرا قضائيا جديدا.
وأضاف أن الأمر يشمل مراكز ومنظمات ومكاتب أخرى للحزب المذكور في السليمانية وإقليم كردستان بشكل عام، وتم إبلاغ هذه الجهات بقرار الإغلاق قبل أيام وإنهاء رخص عملها في السليمانية.
وكانت الحكومة العراقية قررت في تموز العام الماضي تصنيف حزب العمال الكردستاني التركي المعارض كمنظمة محظورة ووجهت خطابا إلى مؤسسات الدولة والوزارات بالتعامل مع الحزب المذكور وفق هذا المنظور .
وفي آب الماضي قررت الهيئة القضائية للانتخابات العراقية حل ثلاثة أحزاب في قضاء سنجار هي "حزب الحرية والديمقراطية الأيزدي " "وجبهة النضال الديمقراطي" "وحزب حرية المجتمع الكوردستاني " بداعي ارتباطها بحزب العمال الكردستاني وأمرت بإغلاق مقراتها.
ذريعة تركية
القيادي في الاتحاد الوطني الكردستاني غياث سورجي نفى أي ارتباط لحزبه بحزب العمال الكردستاني، وقال في حديث لموقع "الحرة" إن هذه الاتهامات "باطلة وذريعة تتخذها تركيا بهدف التدخل في الشأن الداخلي" لمحافظة السليمانية.
وأضاف أن الهدف هو "إخضاع الاتحاد الوطني لأجنداتها (أنقرة)، وأن وقف رحلات الخطوط الجوية التركية إلى مطار السليمانية منذ أكثر من عام ونصف "دليل على نوايا الجانب التركي".
وأضاف أن قرار إغلاق المراكز والمكاتب صدر من بغداد وحكومة الإقليم وجهت المعنيين في السليمانية بالتنفيذ، وليس للاتحاد الوطني الكردستاني صلة بقرار إغلاق المكاتب.
ويعتقد سورجي أن المراكز والمكاتب المغلقة ليس بالضرورة أن تكون مرتبطة بحزب العمال الكردستاني، قد يكونوا قريبين آيدلوجيا لكنهم ليسوا جزء من هذا الحزب، وتساءل "هل كل يساري شيوعي وهل كل إسلامي داعشي؟".
وأكد القيادي في حزب الاتحاد الوطني الكردستاني غياث سورجي على أن مكاتب ومنظمات أخرى مجازة أغلقت قبل أشهر في محافظة أربيل بداعي ارتباطها بحزب العمال الكردستاني ولم يحدث مثل هذا الغط عليه.
ويتخذ حزب العمال الكردستاني المعارض لتركيا المناطق الجبلية الوعرة داخل إقليم كردستان ولاسيما سلسلة جبال قنديل وكارة وآسوس ومناطق سنجار ومخمور قاعدة لعملياتها العسكرية وتنتشر عناصر الحزب على طول المثلث الحدودي العراقي التركي الإيراني وصولا إلى الحدود العراقية السورية، بالإضافة إلى إنشاء عشرات المقرات والمراكز التابعة للحزب داخل مدن إقليم كردستان .
ووقع العراق وتركيا في آب عام 2024 مذكرة تفاهم للتعاون العسكري والأمني ومكافحة الإرهاب بين البلدين وتضمنت تبادل الخبرات والتدريب والاستشارة، والتنسيق الاستخباري والأمني لمواجهة تهديدات حزب العمال الكردستاني.
المراقب السياسي سامان شالي قال في حديث لموقع "الحرة" إن المنطقة تمر بمتغيرات عديدة تستوجب على الأحزاب الكردية التأقلم سياسيا مع المتغيرات وأن لاتقف ضد التيار.
ويرى أن على الأتحاد الوطني الكردستاني الذي "بالغ في انفتاحه" مع حزب العمال الكردستاني "تحجيم دور هذا الحزب في محافظة السليمانية لبناء مرحلة جديدة من السلام في الإقليم والعراق"، وأن إغلاق هذه المكاتب "يأتي في هذا الاتجاه ويتجاوب مع متطلبات المرحلة القادمة".
ويرى شالي أن إغلاق مكاتب ومنظمات مقربة من حزب العمال الكردستاني جاءت نتيجة ضغوطات إقليمية يتعرض لها الاتحاد الوطني الكردستاني صاحب النفوذ في محافظة السليمانية ولا تتعلق بموضع إجازات عمل هذه المكاتب فهي تعمل في المحافظة منذ سنوات.
وتشن تركيا منذ صيف عام 2024 عمليات عسكرية واسعة لملاحقة مقاتلي حزب العمال الكردستاني في محافظة دهوك وقضاء زاخو وبادنان والعمادية وباتيفيا وديرلوك وكاني ماسي وجبل متين وجبل غارا.
وتوغلت تركيا عشرات الكيلومترات في عمق الأراضي العراقية بالتزامن مع قصف جوي ومدفعي لمواقع حزب العمال الكردستاني في قنديل وهاكورك وغارا.
أستاذ العلوم السياسية في الجامعة المستنصرية عصام الفيلي قال لموقع "الحرة " إن عناصر حزب العمال الكردستاني ينتشرون في معظم مناطق إقليم كردستان، وأن إغلاق مكاتب ومراكز ومنظمات مرتبطة بحزب العمال الكردستاني في السليمانية "لن يكون له تأثير على العمل السياسي والمنظماتي" لهذا الحزب.
وقال إن هذا الحزب لديه قدرة كبيرة على الحضور في منظمات المجتمع المدني وهو يعمل في اكثر من اتجاه لكن قرار إغلاق هذه المكاتب يعطي رسالة بأن الاتحاد الوطني الكردستاني "ذاهب باتجاه خلق متغير في سياسته لتخفيف الضغوط المفروضة عليه" وخاصة في موضوع إيقاف رحلات الخطوط الجوية التركية إلى مطار السليمانية.
كما أنه "محاولة التقارب مع الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي لديه تقاطعات عديدة مع حزب العمال الكردستاني وأيضا إيصال رسالة للمجتمع الدولي بأنه يحترم القرارات الدولية".
ويرى الفيلي أن حزب العمال الكردستاني يمتلك من القوة التي "توازي قوة الحزبين الحاكمين" في إقليم كردستاني الاتحاد الوطني والديمقراطي الكردستاني.
وقال إن الاتحاد "استغل علاقته مع العمال الكردستاني كورقة ضغط ضد الديمقراطي الكردستاني في ظل العداء التقليدي بين الحزبين".
وأوضح الفيلي أن محافظة السليمانية "تضررت كثيرا من علاقة الاتحاد الوطني بحزب العمال الكردستاني نتيجة عزوف الشركات التركية عن الاستثمار في السليمانية".
قرار سياسي بغطاء قانوني
إغلاق مكاتب ومراكز إعلامية أثار حفيظة منظمات مجتمع مدني في السليمانية، يقول منسق مركز متروح للدفاع عن حقوق الصحفيين رحمان غريب في حديث لموقع "الحرة "إن القرار "مخالف لقانون منظمات المجتمع المدني وقانون حرية الصحافة في الإقليم".
وأضاف أن القرار "يحمل طابعا سياسيا لكن بغطاء قانوني" وأنه جاء جراء "ضغوطات خارجية" على الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان.
وأكد أن القرار "نتاج الاتفاقية الأمنية بين بغداد وأنقرة". ولفت غريب إلى أن تصنيف هذه المكاتب على أنها مقربة من حزب العمال الكردستاني "لا يبرر إغلاقها".