نشر موقع "بلينكس" الإماراتي تقريراً تحت عنوان "فقط في سوريا.. من حواجز أمنية إلى بسطات خضار"، وجاء فيه:
في شوارع دمشق، حيث ساد الخوف والرعب لعقود، لم تعد الحواجز الأمنية "الصارمة"، كما يصفها العديد من السوريين، والسيطرة المطلقة مفروضة على السكان، إذ تحوّلت إلى "بسطات خضار" وأسواق شعبية.
بعد سقوط نظام بشار الأسد في 8 كانون الأول 2024، سيطرت فصائل مسلحة على العاصمة دمشق، مع انسحاب قوات النظام من المؤسسات العامة والشوارع، وأعرب السوريون عن أملهم في مستقبل واعد وتحسن الأوضاع المعيشية في البلاد.
خلال سنوات حكم بشار الأسد، كانت الحواجز الأمنية واحدة من أبرز أدوات السيطرة على المناطق، إذ انتشرت بكثافة في المدن الكبرى، مثل دمشق وحلب، وكذلك في الأحياء الأصغر والأزقة، لتصبح رمزا للخوف.
لم تكن الحواجز مجرد نقاط تفتيش، بل كانت منصات تُمارَس من خلالها السلطة، إذ يتم توقيف المارّة وفحص هوياتهم، وفرض إجراءات صارمة، تعكس سيطرة النظام على تفاصيل الحياة اليومية.
بالإضافة إلى ذلك، فكانت الحواجز من أكثر الأماكن التي تمدّ فروع المخابرات والأمن بالمحتجزين والمطلوبين والمعتقلين، في أثناء مرورهم عبرها.
العقيد عصام إدريس يصف تلك الحقبة قائلاً: "عندما كان الفرع الأمني هنا، كان يضع يده على أعناق الناس. لم يكن بإمكانك التحرك، ولم يستطِع أهل الحارة حتى أن يصفّوا سياراتهم. كانوا يتسلطون على الناس ويسلحونهم، والأساس هنا أن المكان كان مجرد حديقة".
كان هذا القمع وسيلة لتذكير الجميع بأن النظام "يراقبهم دائما"، وأن أي تصرف خارج عن الإطار المسموح به سيواجه بعواقب وخيمة. فكيف تحوّلت الحواجز الأمنية السورية إلى أسواق شعبية بعد سقوط النظام؟
سقط النظام.. فتغيَّر المشهد
بدأت هذه الحواجز بالانتشار في الأحياء السورية لأول مرة، بعد أيام قليلة من اندلاع الاحتجاجات ضد الرئيس السوري في 15 آذار 2011.
وقتها، بدأ الشارع السوري يلحظ انتشارا تدريجيا للحواجز الأمنية، وتحوّلت مناطق عديدة في سوريا إلى ما يشبه الثكنات العسكرية، وفاقمت الاحتكاك بعناصر الأمن لأول مرة.
لكن مع سقوط النظام، وتخلي أفراد الجيش عن مناصبهم في الحواجز، وجد السكان أنفسهم أمام مشهد جديد، لكنهم لم يتمكنوا من نسيان أثر الماضي بسهولة.
الضيوف مدعوون أمنيا
تحدَّث عناد الحوراني لـ"بلينكس" عن حالة الرعب التي عاشها السكان، قائلا: "كنا نركب سقالات لكي لا يرونا، لأن شرفتنا كانت مكشوفة. أرسلوا لنا أشخاصا هدّدونا وهدموا الحائط". ورغم تغيّر الظروف، يبقى أثر تلك الحقبة حاضرا في ذاكرة السكان.
وكمحاولةٍ لتغيير ملامح المكان، حوّل الحوراني أحد الحواجز في المنطقة إلى "بسطة" لبيع الخضراوات لسكانها.
وأضاف: "عندما أردنا تركيب طاقة شمسية، صادروا الألواح، ولم يوافقوا على تركيبها إلا بعد أن حصلنا على موافقة أمنية، وعندما كان الجيران يستقبلون ضيوفهم، لم يكن يُسمح لهم بالدخول إلا بعد تسليم هوياتهم وفحصها، وكان بعض الأشخاص يُستدعون إلى الفرع الأمني، ولا يصلون لمنازل الجيران".
الحياة اليومية
مِن أبرز نتائج سقوط الحواجز الأمنية، تحوّل الأحياء "المخفية" إلى مساحات جديدة، يزورها سكان الأحياء الأخرى، بعد سنوات من القيود. ويروي أحد راكبي الدراجات في المنطقة لـ"بلينكس" قائلا: "نحن من سكّان شارع بغداد القزازين، ومررنا من هنا عمدا بعد 12 أو 13 سنة من عدم قدرتنا على الدخول إلى هذه الحارة. كانت الحياة هنا مليئة بالخوف والرعب. أتيت هنا لأقول لابن خالتي (شاهد الحرية).. كان ممنوعا على السكان الوقوف على الشرفات أو السير ليلا".
وبعد رحيل القوات الأمنية، عادت الحياة تدريجياً إلى الشوارع، رغم بقاء ذكرى المعاناة السابقة في أذهانهم. (بلينكس - blinx)