نشر موقع "بلينكس" الإماراتي تقريراً جديداً تحدث فيه عن مستقبل الإقتصاد السّوري إثر إسقاط المُعارضة السورية نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد.
ويقول التقرير إنه "كانت مفارقة لافتة بالنسبة للشابة السورية ماريا، أن يظهر وجه الأسد أمام عينيها، خلال شرائها للحلويات من سوق الحميدية في دمشق احتفالا بسقوطه"، ويضيف: "رزمة من العملات النقدية من فئة الـ2000 ليرة سورية، التي تحمل صور الأسد، كانت كفيلة بلفت نظرها إلى حجم تغلغل النظام السابق في أعمق تفاصيل الحياة وأبسطها".
في حديثها عبر "بلينكس"، تقول الشابة ماريا: "رحل الأسد عن البلاد، لكنه لا يزال في جيوبنا".
تعكس هذه الواقعة التحديات الاقتصادية التي تنتظر سوريا، بعد سقوط نظام جعل من اقتصاد البلاد مرآة له، وفي النهاية حمل له المصير نفسه قبل رحيله، الانهيار، وفق التقرير.
في اليوم الأخير من حكم الأسد، وعلى وقع التطورات، بلغ انهيار الليرة السورية حدّا غير مسبوق، وصلت فيه إلى 40 ألف ليرة لكل دولار قبل أن تعود إلى عتبة الـ17 ألفاً في الأيام اللاحقة، وهو ما دفع بالسوريين للجوء إلى عملات أكثر استقراراً نسبياً، حملتها قوافل العائدين من اللاجئين، من يورو ودولار وليرة تركية.
هذا الواقع يضع سوريا اليوم، وفق ما يؤكد خبراء اقتصاديون لبلينكس، أمام استحقاقات كبيرة وعاجلة، تبدأ من تحديد هوية البلاد الاقتصادية الجديدة وشكل النظام الاقتصادي المقبل عليها، مروراً بمصير العملة الحالية بشكلها وقيمتها، ولا تنتهي عند إرث العقوبات الثقيل الذي تركه النظام خلفه مقيدا اقتصاد البلاد ومساره نحو التعافي.. فكيف يبدو مستقبل الاقتصاد السوري؟
ما مصير الليرة وكيف لها أن تتعافى؟
لا يتوقع الخبير الاقتصادي جاسم عجاقة أن يتعافى وضع الليرة السورية قريباً، من دون تعافي الاقتصاد بشكل عام وانطلاق إعادة الإعمار، فقيمة العملة ترتبط بحجم الاقتصاد، "لا بل يمكن أن نشهد مزيداً من التدهور إذا ما استمرت العقوبات الاقتصادية ولم ترفع قريبا".
لكن، في الوقت نفسه، فإن الليرة تمثل رمزاً من رموز البلاد، وقوتها من قوة سوريا، فيما تلعب قيمتها دورا بارزا في إعادة الثقة للمؤسسات، وهو ما يوجب استعادة الثقة بالليرة السورية، وفق ما يشدد الدكتور في العلوم المالية والمصرفية من جامعة حلب، فراس شعبو.
ورغم أن مصرف سوريا المركزي استأنف عمله الثلاثاء 10 كانون الأول، إلا أنه وبحسب شعبو، يحتاج الأمر إلى تفعيل لهذا العمل بحيث يتم جرد ما تبقى لدى المصرف المركزي من احتياطيات وعلى أساسه تحدد قيمة الليرة الحقيقية.
كيف تحدد قيمة العملة السورية؟
تتأثر قيمة الليرة السورية بعوامل عدة متغيرة، من بينها العرض والطلب والثقة والاحتكار، إضافة إلى احتياطات الدولة وما تملكه، والمساعدات التي ستصل، وهو ما يستوجب وجود سلطة نقدية قادرة على إدارة هذه الأمور وضبط الليرة.
من ناحيته، يشدد الخبير الاقتصادي الدكتور شادي أحمد على ضرورة اتخاذ الحكومة المقبلة لإجراءات تبدأ من توفير احتياطي مقبول من العملات الأجنبية لدعم الليرة السورية، وتفعيل حركة الإنتاج المقوم أيضاً بالليرة السورية، وضبط سعر الصرف بما يلغي وجود السوق السوداء، وتعزيز القيمة الشرائية لليرة بالتزامن مع تخفيف حدة التضخم المالي.
ويخلص إلى ضرورة عدم إجراء إصدارات نقدية غير مغطاة حقيقة باقتصاد قوي قادر على حمايتها.
طبعة "العهد الجديد".. ماذا عن صورة الأسد؟
بالنسبة لفئات الليرة التي تحمل صور الأسد، الأب والابن، يتفق الخبراء الثلاثة على أنها "مسألة وقت فقط" قبل أن يتم استبدالها وإلغاء التصاميم القديمة لتلك الفئات، وهو ما يعتبر إجراء سياسيا أكثر مما هو إجراء اقتصادي، كما سبق وأكد وزير التجارة السوري وحماية المستهلك، لؤي المنجد، في تصريحات إعلامية.
فبعدما حوّلت الحكومة السابقة تصميم العملة إلى أداة لتكريس شخصية الأسد كأيقونة للدولة، وجعلها رمزا من رموز النظام الذي يحاول السوريون اليوم تخطيه، سيكون من مهمة أي حكومة مقبلة أن تعيد تصميم العملة كشكل من أشكال إعادة بناء الهوية الوطنية والدخول في عهد جديد.
ولن تكون سوريا أول من تقوم بمثل هذا الإجراء، فهناك العراق على سبيل المثال، بعد سقوط نظام صدام حسين، بالإضافة لدول الاتحاد السوفياتي بعد سقوطه. وتكرر السيناريو في دول عدة حول العالم، ما يجعله إجراء مألوفا في حالات مماثلة.
بدوره، كان مصرف سوريا المركزي قد آثر، بعد يوم واحد من سقوط النظام، التأكيد على أن العملة المعتمدة في التداول في سوريا هي الليرة السورية بكافة فئاتها، ولم يتم سحب أي فئة من التداول.
وبحسب عجاقة، فإلى حين تبديل العملة التي تحمل صورة الأسد، المصرف المركزي السوري سيكون مضطرا لقبول كل فئات الليرة السورية.
ليس ذلك فحسب، بل حتى بعد تغيير شكل العملة، سيكون المصرف مضطراً لقبول العملة بشكلها القديم، ولو لوقت محدد، كي يضمن استبدالها من الأسواق.
أما الأهم بحسب الخبراء هو قيمة العملة وليس شكلها، فعلى الرغم من الأهمية الرمزية لإزالة صورة الأسد، يبقى التحدي في جعل العملة بكل فئاتها ذات قيمة حقيقية، ومصدر ثقة للتداول والادخار.
يلزم ذلك إجراءات تعيد إليها وظائفها الأساسية: الوظيفة الاستثمارية، والوظيفة الادخارية لحفظ الثروة، والوظيفة التبادلية في العمليات التجارية، وفقاً لأحمد.
تعدد العملات.. الخطر الأكبر
الخطوة الرئيسية على طريق استعادة الليرة السورية لقيمتها ووظائفها تكمن في حصر استخدام وتداول غيرها من العملات، التي باتت منتشرة اليوم في سوريا بعمليات الصرافة.
وكان المصرف المركزي في سوريا قد دعا كافة شركات الصرافة والحوالات الداخلية إلى ضرورة الالتزام بتسليم الحوالات لمستحقيها بالليرة السورية وفق القرارات النافذة الناظمة لهذا الموضوع.
وبحكم وجود جاليات سورية كبيرة حول العالم بعد أزمة اللجوء التي تبعت اندلاع الصراع السوري عام 2011، يعمد السوريون إلى تحويل الأموال لأقاربهم وأهلهم بالعملات الأجنبية، لاسيما الدولار (خاصة من لبنان) واليورو من الدول الأوروبية، إضافة إلى الليرة التركية التي دخلت السوق السورية من بابها العريض في المدن الشمالية خاصة، حيث كانت تُعتمد قبل سقوط النظام وازداد الاعتماد عليها بعد سقوطه إذ انتقلت مع المقاتلين والعائدين من الشمال نحو المدن الداخلية، ومن بينها حلب التي واجهت شحا في النقد السوري وإقفالا لمؤسسات الصرافة وفرع البنك المركزي، ما أخلى الساحة تماماً أمام الليرة التركية.
يؤكد أحمد أن وجود عملات عدة في وقت واحد، سيؤدي إلى ضرر اقتصادي كبير، حيث سترجح الفعاليات الاقتصادية التعامل بالعملات الأخرى، كون العملة السورية في حالة اضطراب الآن وتفقد قيمتها الاستعمالية أكثر.
وعليه، يضيف المحلل الاقتصادي: "يجب أن يكون لدينا سوق تبادل عملات مفتوح، عن طريق شركات الصرافة، وليس عن طريق الدفع المباشر بحيث يتم التداول فقط بالليرة السورية.
مع ذلك، فإن سر الوصفة الأنجع للاقتصاد السوري يكمن في مسألة العقوبات التي تسبب بها نظام الأسد وتركها خلفه قبل رحيله، إذ يجمع الخبراء على أن لا نهضة للاقتصاد السوري قبل رفعها.
يجزم عجاقة أن لا استقرار اقتصاديا ولا إعادة إعمار إلا وفق رؤية الولايات المتحدة ورضاها عن تركيبة الحكم المقبل في سوريا وشكل النظام وأداء أركانه، ويضيف أن العقوبات ستستمر حتى تضمن الولايات المتحدة مصالحها في المنطقة، وبعدها فقط قد تُرفع تدريجيا، بما يشمل عقوبات على شخصيات كالجولاني.
يتفق أحمد مع هذا التحليل ويؤكد أن الدول الغربية لن ترفع العقوبات الاقتصادية بشكل كامل بسبب أهدافها المرتبطة بها، وقد تلجأ إلى رفع جزئي فقط، إذ تستمر بتصنيف هيئة تحرير الشام كمنظمة إرهابية، مما يمنع رفع الحظر الكامل لتجنب تناقض مع قوانينها.
وإن تم الرفع الجزئي فسيأتي في سبيل تسهيل بعض الأمور المعيشية للسوريين، أما الرفع التام فيتطلب شروطاً سياسية يجب أن تحققها الهيئة، ما يجعل الأمر معقداً وغير مباشر، وذلك بحسب أحمد الذي يقول إن "رؤية الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب، مهمة في هذا السياق".