في زمنٍ تُمحى فيه الأساطير من ذاكرة الملاعب سريعًا، يرفض
كريستيانو رونالدو أن يكون مجرّد فصلٍ جميل مضى. بعمر الأربعين، وقف مجددًا على مسرح البطولات الكبرى، لا كظلٍ لما كان، بل كقائدٍ حقيقي، ينبض بالقوة والإيمان. وفي "أليانز أرينا" معقل بايرن ميونخ الألماني، كتب فصلًا جديدًا من المجد، حين قاد البرتغال للتتويج بلقب
دوري الأمم الأوروبية 2025 على حساب إسبانيا، مانحًا بلاده اللقب الثالث في تاريخه الدولي، والثاني له في هذه المسابقة.
منذ اللحظة الأولى، بدا أن النهائي لن يكون سهلًا. هدف إسباني مبكر في الدقيقة الـ 21 عبر مارتن زوبيميندي هزّ شباك البرتغال بعد خطأ دفاعي، لكنّ نونو مينديز ردّ بسرعة، مستغلًا تمريرة بيدرو نيتو ليسدد كرةً يسارية رائعة في الدقيقة 26، فعادت بها المباراة الى نقطة البداية. الشوط الأول لم ينتهِ على هذا الإيقاع، فقبل صافرة الحكم بثوانٍ وتحديدًا في الدقيقة الـ 45، مرّر بيدري كرة ساحرة لـ ميكيل أويارزابال الذي انفرد بالحارس ديوغو كوستا وسجّل التقدّم لإسبانيا مجددًا.
لكنّ البرتغال كانت تعرف أن التاريخ يقف خلف قائدها. وفي الدقيقة 61، ظهر "صاروخ ماديرا" وذكاؤه المعتاد، ليُسكن
الكرة الشباك بطريقة تحاكي عبقريته، مسجلًا هدف التعادل، والثامن له في البطولة، متربعًا على عرش الهدافين. وبهذا الهدف، رفع رونالدو رصيده الإجمالي في مسيرته إلى 938 هدفًا، في طريقه إلى الرقم الأسطوري "1000". الا أن الأسطورة لم يكمل الدقائق الأخيرة بسبب إصابة عضلية أجبرته على مغادرة الميدان في الدقيقة 88، لكنّه ترك روحه في الملعب.
المباراة امتدت لشوطين إضافيين منردون أي جديد، قبل أن تبتسم ركلات الترجيح لأبناء لشبونة، بنتيجة 5-3، بعدما أضاع ألفارو موراتا الركلة الرابعة، فاحتفل البرتغاليون ومعهم رونالدو، كما لو أنه أول لقب في مسيرته، لا الرقم 32.
رونالدو.. رحلة لا تنتهي
من كأس السوبر البرتغالي في بداياته مع "سبورتينغ لشبونة"، إلى كأس الاتحاد الإنكليزي مع "مانشستر يونايتد"، ثم الليالي البيضاء في "سانتياغو برنابيو" مع "الملكي
الريال الأبيض"، وصولًا إلى "يوفنتوس" و"النصر" السعودي، حمل رونالدو طموحه في كل محطة، ولم يسمح للزمن أن يفرغ قدميه من الشغف. هذا اللقب ليس مجرد كأس جديد في خزانته، بل رسالة للعالم: أن العطاء لا يعرف عُمرًا، والإيمان بالنفس لا يشيخ.
في عام 2016، بكينا معه فرحًا حين توج بكأس
أوروبا. واليوم، في 2025، نبكي من جديد، لكن هذه المرة احترامًا، تقديرًا، وإيمانًا بأننا كنا شهودًا على أعظم حكاية كروية في التاريخ.
قد تتبدل الأجيال، وتتغير التكتيكات، ويعلو نجم ويأفل آخر، لكن سيبقى اسم كريستيانو رونالدو محفورًا في الذاكرة الجماعية
لكرة القدم، ليس فقط لانه فاز، بل لأنه استمر.. قاوم.. آمن.. وصنع المجد حتى وهو يسير على حدود الأربعين.
في ليلة "أليانز أرينا"، لم تفز البرتغال فقط، بل فاز الزمن برونالدو.