لم يحمل عام 2025 الخير للقطاع الزراعي في
لبنان، وخاصة في الصيف، إذ تصاعدت الأزمات بشكل مقلق ما يضع هذا القطاع الحيوي على
مفترق طرق خطير. فمن قسوة التغير المناخي إلى وطأة الانهيار الاقتصادي، مرورًا بالصراعات الإقليمية والداخلية، تجتمع التحديات لتُهدد الأمن الغذائي اللبناني وسبل عيش الآلاف من المزارعين.
تُعدّ أزمة المياه الهاجس الأكبر الذي يُخيّم على المزارعين اللبنانيين هذا الصيف. فسنوات متتالية من الأمطار الشحيحة استنزفت المخزون الجوفي، لتصل البلاد إلى نقطة حرجة تُنذر بجفاف قاسٍ. يعتمد القطاع الزراعي على ما يقارب 70% من موارد المياه المتاحة في لبنان، ومع ذلك، تغيب أي إدارة رشيدة لهذا المورد الثمين.
ووفق ما أشارت إليه مصادر مطلعة لـ"
لبنان 24"، فقد تدنت جودة إنتاج القمح على وجه الخصوص، علماً أن إنتاجه تراجع إلى ما بين 15 و20 ألف طن خاصة وأنه لم يروَ بشكل جيّد بسبب قلّة هطول الأمطار، تماماً كما حصل مع البطاطا ومزروعات أخرى التي لم يتمكّن المزارعون من ريّها بسبب ارتفاع الكلفة.
في هذا الإطار، تُهدر كميات هائلة بسبب التسرب وشبكات
الري غير الفعالة، مما يُفاقم العجز ويُهدد بانهيار المحاصيل الصيفية. هذا الواقع، الذي تُسرّع وتيرته تغيرات المناخ وارتفاع درجات الحرارة غير المسبوق، يُلقي بظلاله القاتمة على مستقبل الزراعة في لبنان.
لا يمكن فصل الأزمة الزراعية عن الانهيار الاقتصادي الذي يعصف بلبنان. فأسعار المستلزمات الزراعية، من بذور وأسمدة ومبيدات، ارتفعت بنسب فلكية تتجاوز 300% في العامين الأخيرين. هذا الارتفاع الجنوني لا يقتصر على مدخلات الإنتاج، بل يمتد ليشمل أسعار الوقود الضروري لتشغيل مضخات الري، الذي قفزت أسعاره بنحو 500%. هذه التكاليف الباهظة تُلقي بعبء ثقيل على المزارعين، خاصةً وأنها لا تُقابلها أسعار عادلة للمحاصيل في الأسواق. غياب الدعم الحكومي الفعال، وغياب التمويل اللازم، يُجبر المزارعين على مواجهة هذه الأزمة بمفردهم، مما يُهدد بإخراجهم من السوق تمامًا.
إلى ذلك، تُعاني الزراعة
اللبنانية من أزمة حادة في تصريف المحاصيل، مع ضيق
الأسواق المحلية وصعوبة الوصول إلى الأسواق الخارجية. الحظر الذي فرضته بعض
الدول على المنتجات اللبنانية بسبب قضايا التهريب، ألقى بظلاله على الصادرات الزراعية، التي تُعدّ شريان حياة للعديد من المزارعين. ورغم الجهود المبذولة لإعادة فتح الأسواق وتفعيل الطرق التجارية، لا تزال هذه المساعي تواجه تحديات كبيرة، مما يُقيّد قدرة المزارعين على بيع منتجاتهم وتحقيق دخل كافٍ.
تزيد تداعيات الصراعات الإقليمية من تعقيد المشهد الزراعي. فالصراع الدائر في المنطقة والحرب التي شهدها لبنان تسبب في دمار واسع النطاق للقطاع الزراعي، خاصةً في مناطق الجنوب والبقاع التي تُعتبر سلة غذاء لبنان. فقد تضرر أكثر من 50% من موسم القمح، وتحولت محاصيل البقوليات إلى علف للمواشي في بعض المناطق. هذه الخسائر الفادحة تُفاقم من انعدام الأمن الغذائي في البلاد، حيث يُواجه ما يقارب ثلث السكان نقصًا حادًا في الغذاء.
لم يعد إنقاذ القطاع الزراعي في لبنان خيارًا، بل ضرورة ملحة. فهل ستُدرك السلطات حجم هذه الأزمة وتُبادر بالتحرك قبل فوات الأوان؟