لم تعد رؤية المتسوّلين مشهداً مألوفاً في شوارع
لبنان فحسب، بل أصبحت ظاهرة مزعجة وخطيرة تتفاقم يوماً بعد يوم. فبين إشارات المرور المزدحمة، أمام أبواب المحال التجارية، وحتى عند مداخل المستشفيات والمدارس والجوامع والكنائس، ينتشر المتسوّلون من جميع الفئات العمرية، منهم من يعاني بالفعل، ومنهم من اتخذ من التسول مهنة تدر عليه دخلاً قد يفوق ما يكسبه الكثيرون من أصحاب الوظائف الشريفة.
لا بدّ من أن مشاهدة الأطفال والنساء وكبار السن يتوسلون
لقمة العيش تثير مشاعر الشفقة والتعاطف، لكن الواقع غالباً ما يكون أكثر تعقيداً. ففي كثير من الحالات، يتم استغلال هؤلاء الأشخاص من قبل عصابات منظمة تجبرهم على التسول وتستولي على إيراداتهم.
إلا أن هذه الظاهرة التي باتت منتشرة بشكل كبير في العاصمة، وخاصة في منطقة
ميناء الحصن ووسط
بيروت ، تتجاوز خطورتها مجرد الإزعاج لتصل إلى أبعاد أمنية وجنائية خطيرة. فغالباً ما يرتبط التسول بجرائم أخرى مثل السرقة، النشل، وتجارة المخدرات ويقع المواطنون ضحية لها، من دون أي مراقبة فعلية.
كما أن بعض المتسولين قد يكونون جزءاً من شبكات إجرامية تستخدمهم لجمع المعلومات أو لتنفيذ أعمال غير مشروعة. فالأطفال المتسولون على وجه الخصوص معرضون بشكل كبير للاستغلال الجنسي والجسدي، ويتحولون إلى فريسة سهلة للمجرمين، مما يعرض مستقبلهم للخطر.
وفيما نحن اليوم في صلب الموسم السياحي، لا بد من متابعة حقيقية من قبل
وزارة الداخلية التي عليها وضع حد جذري لهذه المشكلة واتخاذ الإجراءات اللازمة بحق المتسوّلين الذين يزعجون المارةّ ويشوّهون صورة البلاد السياحية.
فالمشهد المتكرر للمتسولين في الأماكن العامة يمنح انطباعاً سلبياً للسياح والمستثمرين، مما قد يجعلهم يحجمون عن
زيارة لبنان أو الاستثمار فيه.
من هنا، بات من الضروري توعية المواطنين بشأن خطورة التسول المنظم وتشجيعهم على تقديم المساعدات للمؤسسات الخيرية الموثوقة بدلاً من إعطائها للمتسولين مباشرة، فضلاً عن وضع إستراتيجية وطنية لمكافحة الفقر وتوفير شبكات أمان اجتماعي تضمن
حياة كريمة للمواطنين.
إن ظاهرة التسول في لبنان ليست مجرد إزعاج عابر، بل هي بصمة سوداء في نسيج المجتمع، تتطلب تضافر جهود الجميع من حكومة ومؤسسات مجتمع مدني وأفراد لمواجهتها بفعالية.