نشر موقع "تشاتام هاوس" البحثي البريطاني تقريراً جديداً قال فيه إن "لبنان يمرّ بمنعطف صعب، إذ تقف الحكومة اللبنانية أمام فرصة فريدة لاستعادة السيادة اللبنانية ودفع حزب الله إلى الاندماج في بنية سياسية مدنية، بعيداً عن منطق السلاح والحرب".
وذكر التقرير أن "هذه الفرصة محفوفة بالمخاطر وتعتمدُ على توازنات دقيقة بين الداخل اللبناني والمجتمع الدولي، لاسيما في أعقاب الخسارة العسكرية التي مُني بها حزب الله في حربه الأخيرة مع
إسرائيل".
وأضاف: "في 19 حزيران، طرح المبعوث الأميركي الخاص إلى
سوريا، توماس باراك، على الحكومة اللبنانية مقترحاً يتضمن تفكيك ترسانة حزب الله مقابل وقف العمليات
الإسرائيلية، وانسحاب تل أبيب من التلال اللبنانية الخمس التي احتلتها منذ وقف إطلاق النار في تشرين الثاني 2024، إضافة إلى الإفراج عن الأسرى اللبنانيين. كذلك، فإن
الولايات المتحدة تعهّدت بإعادة إعمار
جنوب لبنان وإنعاش الاقتصاد اللبناني، الذي يرزح تحت وطأة أزمات مالية مزمنة".
وتابع: "رحّب لبنان مبدئياً بالمبادرة، مؤكداً تمسّكه بما ينص عليه
الدستور من احتكار الدولة الحصري لاستخدام القوة، غير أن
بيروت اشترطت تنفيذ المقترح بانسحاب إسرائيلي كامل من الأراضي اللبنانية، ووقف الانتهاكات الجوية والبرية".
ووصف باراك الموقف اللبناني بأنه "مُرضٍ للغاية"، وهو موقف مفاجئ، حسب التقرير، نظراً لتوقّع
الأميركيين رداً أكثر تحفظاً نتيجة الحساسيات الداخلية المرتبطة بنزع سلاح حزب الله.
ورغم التصريحات اللبنانية الإيجابية، يلفت التقرير النظر إلى فجوة واضحة بين خطاب الحكومة والواقع العملي، وأضاف: "حتى الآن، لم يصدر أي
التزام قانوني أو جدول زمني واضح لنزع سلاح حزب الله".
وأكمل: "صحيح أن الحزب سلّم بعض الأسلحة جنوب الليطاني، إلا أنه لا يزال يحتفظ بترسانة ضخمة تشمل طائرات مسيّرة وقذائف بعيدة المدى في
البقاع وضواحي بيروت الجنوبية".
ورأى التقرير أيضاً أنَّ "حزب الله يعتمد استراتيجية قائمة على التعاون الجزئي، بحيث يُبدي بعض المرونة لتخفيف الضغط الدولي، بينما يحافظ على حرية التعافي العسكري لاحقاً".
التقرير ذاته أوضح أن "السلاح لا يمثل فقط أداة مقاومة بالنسبة لحزب الله، بل يعتبر أساساً لشرعيته السياسية"، مشيراً إلى أنَّ "التخلي عنه يعني فقدان النفوذ داخل الطائفة الشيعية وتراجعاً محتملاً في المشهد السياسي اللبناني".
وتربط لجنة الحوار الوطني، التي يُتوقع إحياؤها قريباً، مستقبل سلاح حزب الله بقدرة لبنان على التفاوض مع القوى الدولية بشأن مستقبل النزاع، وهو شرط ، يقول التقرير، لا يمكن تحقيقه ما دام الحزب يحتفظ بسلاحه.
ورأى التقرير أن المبادرة الحكومية بقيادة الرئيس اللبناني جوزاف عون ورئيس الوزراء نواف سلام تصطدم بعقبتين أساسيتين: أولاً: الخوف من اندلاع نزاع طائفي داخلي إذا تم نزع سلاح الحزب قبل الانسحاب
الإسرائيلي الكاملن وثانياً
التحولات الإقليمية، وعلى رأسها علاقة واشنطن بطهران، التي قد تؤثر على توازنات القوى، لكنّها لا تبرر تأجيل حسم الدولة اللبنانية لموقفها من السلاح غير الشرعي.
واختتم التقرير مقاله برسالة تحذيرية: "تأخير الإصلاح والتسوية سيُبقي لبنان خارج مسار السلام والتنمية، بينما تمضي بقية المنطقة قدماً". (24)