ترأس متروبوليت
بيروت وتوابعها للروم الارثوذكس المطران الياس عودة، خدمة القداس في كاتدرائية القديس جاورجيوس، بحضور حشد من المؤمنين.
بعد الإنجيل ألقى عظة قال فيها: "يعلمنا إنجيل اليوم درسا هاما عن الخلاص. لا يهم من أنت وما هو مركزك حتى يحدد مكانك في ملكوت الله، بل كيف تؤمن. يخبرنا الإنجيل عن قائد مئة أممي، وثني، يهرع إلى
الرب يسوع طالبا الشفاء، ليس له شخصيا، إنما لفتى يخدمه، مخلع يتألم بشدة. لو توقف الأمر عند هذا الحد لقلنا إن قدوم قائد المئة إلى الرب يشكل محاولة أخيرة في شفاء الفتى، إلا أن هذا الحدث يذهب بنا إلى ما وراء الشفاء الجسدي. غالبا ما ينظر إلى عجائب المسيح في الأناجيل بصورة سطحية ويتوقف القارئ عند الحدود المادية. البعض قد يقرأ اليوم حادثة الشفاء عن بعد ويقول إن كل شيء مستطاع لدى الرب، ثم ينتقل لقراءة حادثة أخرى، كأنه يطالع كتاب خوارق. لا شك في أن الشفاء الجسدي كان هاما لقائد المئة كما لفتاه، وللذين رأوا العجب الحاصل واستفادوا طبعا، إلا أن الإفادة الأكبر كانت بسبب الأعجوبة الأعظم، أي قوة إيمان قائد المئة. يقول القديس يوحنا الذهبي الفم إن إيمان قائد المئة كان أعظم من إيمان الفتية الأربعة الذين دلوا صديقهم المريض من السقف ليصل أمام الرب يسوع، لذلك لم يحتج القائد أن يأتي بخادمه ليكون حاضرا جسديا أمام المسيح. لقد سمعت صلاة القائد واستجيبت، فشفي الفتى للوقت".
أضاف: "كان قائد المئة يفهم القوة والسلطة وقد قال للرب يسوع: «يا رب لست مستحقا أن تدخل تحت سقفي، ولكن قل كلمة لا غير فيبرأ فتاي. فإني أنا إنسان تحت سلطان... أقول لهذا إذهب فيذهب... ولعبدي إعمل هذا فيعمل»، عندها قال له الرب «أنا آتي وأشفيه». لم يكن يسوع يطلب إذنا بل كان يمتحن قوة إيمان المسؤول الروماني. فالأمور المادية تحتاج حضورا حسيا، لكن الإيمان الحقيقي يرتقي إلى المجال الروحي، لأن الإيمان بغير المنظور أقوى من ذاك المدرك بالحواس البشرية. كرجل معتاد على إعطاء الأوامر لأتباعه، عرف قائد المئة أنه كان في حضور رجل سلطة هو ماثل أمامه. بعد قيامته، قال الرب لتلاميذه: «قد دفع إلي كل سلطان في السماء وعلى الأرض» (مت 28: 18)، لكن شفاء فتى قائد المئة حصل قبل
القيامة. إعلان إيمان قائد المئة كان إذا مؤسسا كليا على ما عاينه من إنسان سمع عنه يدعى يسوع، وعلى الرغم من أنه لم يكن ليفهم اللاهوت العميق والتاريخ القديم وراء النبوءات
اليهودية عن مجيء المسيا، إلا أنه استطاع فهم قدرة ابن الله الوحيد وسلطانه".
وتابع: "نسمع أن الرب يسوع «تعجب» من إيمان قائد المئة. طبعا، هذا كان رسالة ضمنية لليهود الذين كان يتوقع منهم إيمانا كهذا، هم الذين لديهم «موسى والأنبياء»، الناموس والنبوءات التي تقودهم إلى فهم مسيح الرب. لقد انتظروا مجيء ابن داود مدى قرون ليحرر
إسرائيل من الإحتلال الروماني ويعيد لهم مجدهم السابق. لكنهم، عندما قابلوا الإله المتجسد وجها لوجه، أبوا أن يؤمنوا به. في المقابل، قائد المئة الوثني، لا يعرف شيئا عن المسيح، ولم يأت إلى المعلم طالبا آية ليصدقه، كما كان قادة اليهود يفعلون، بل جاء بإيمان تام، مدفوع بمحبة فتى مريض، رغبة منه في شفائه. هذا القائد الروماني الذي كان يتمتع بسلطة لا تحد، أدرك بتواضع أنه لا يملك أي سلطة أمام الرب. فقال له يسوع: «إذهب، ليكن لك كما آمنت، فشفي فتاه في تلك الساعة. » لم يجد يسوع إيمانا مشابها بين أبناء شعبه فقال «الحق أقول لكم إني لم أجد إيمانا بمقدار هذا ولا في إسرائيل» لذلك سيأتي كثيرون من المشارق والمغارب ليتكئوا في الملكوت فيما من يظنون أنفسهم بني الملكوت سيرمون «في الظلمة الخارجية، وهناك يكون البكاء وصريف الأسنان» .
وقال: "كلام الرب موجه لكل منا، ومعناه أن علينا عدم خداع أنفسنا بفكرة أننا ضامنون للملكوت، فقط لأننا ندعى مسيحيين. يسهل على مسيحيي اليوم أن يظنوا أنهم متممون واجباتهم
الدينية فقط لأنهم يأتون صباح الأحد إلى الكنيسة ويصلون قليلا، ويضعون القليل من المال في الصندوق. الفريسيون في زمن المسيح ورثوا تدينهم بالولادة، فظنوا أنهم سيرثون الملكوت لكنهم صلبوا المسيح وأماتوه جهلا وتعسفا. كم من مدع للإيمان في أيامنا يسيئ التصرف ويقوم بأعمال تسيئ إلى الإيمان الحق، أو يرتكب الخطايا والمعاصي باسم تدينه المزعوم؟ كم من الجرائم ترتكب باسم الدين؟ كم يظلم أبرياء في أيامنا أو يقتلون باسم الدين؟ وكم يجري تخريب بلدان وقهر شعوب باسم الدين، فيما الإيمان الحق يختصر بالمحبة والرحمة وحفظ كرامة الإنسان. الأديان لا تدعو إلى العنف ولا تعلم الكراهية والحقد والإلغاء. الإيمان الحقيقي تواضع وتضحية ومحبة. قائد المئة لم يكن يهوديا ولم يعرف الشريعة والناموس، لكنه كان محبا، مهتما بشفاء الفتى الذي يخدمه فكان أكثر إيمانا من مدعي حفظ الشريعة وحاز المكافأة التي يستحقها".
وختم: "دعوتنا اليوم أن نكون من أبناء الملكوت الضامنين مكانا لهم في الفردوس أولا عبر الإيمان بالإله المحب البشر، وثانيا عبر محبتنا للآخر التي تترجم إيماننا. يجب أن تكون كلمات الرب في إنجيل اليوم جرس إنذار لنا، حتى نستيقظ من سكرتنا بلقبنا كمسيحيين، ونجاهد ونعمل لنستحق أن ندعى باسم المسيح، كما سمعنا في الرسالة « أما الآن فإذ قد أعتقتم من الخطيئة واستعبدتم لله فإن لكم ثمركم للقداسة، والعاقبة هي الحياة الأبدية».