تتصاعد منذ أسابيع وتيرة الحديث عن احتمال عودة الحرب
الإسرائيلية على
لبنان، في ظل ضغوط سياسية داخلية وخارجية تسعى إلى حصد نتائج لم تنجح
إسرائيل في تحقيقها عسكرياً. وتُجمع مصادر مطّلعة على أن التهويل المتواصل باستخدام فزّاعة الحرب لا يُقرأ كتحذير أمني بقدر ما يُستخدم كأداة لتكريس مناخ ترهيبي، يراد منه فرض وقائع سياسية تفاوضية جديدة بعد إخفاق العمليات العسكرية في الجنوب في بلوغ أهدافها.
في السياق ذاته، تشير معلومات متقاطعة إلى أن جهات دولية، وعلى رأسها
الولايات المتحدة الأميركية، تؤدي دوراً غير معلن في تغذية هذا التصعيد، من خلال التركيز على ضرورة تطبيق القرار 1701 بشكل انتقائي، بينما تغضّ الطرف عن الخروقات اليومية التي ترتكبها إسرائيل، والتي تشمل اغتيالات مباشرة، قصفاً ممنهجاً للبنية التحتية، وتعطيلاً متعمّداً لجهود الإعمار. هدا الامر يطرح تساؤلات جوهرية حول مدى فاعلية الضمانات الدولية، خاصة في ظل تقارير تحدّثت عن تنسيق أمني أميركي – إسرائيلي في
الغارات الأخيرة على الجنوب، والتي استهدفت ما قيل إنها منشآت للمقاومة، وأسفرت عن استشهاد امرأة وإصابة آخرين، في واحدة من أعنف الضربات منذ اتفاق وقف إطلاق النار.
من جهة أخرى، يترافق هذا المشهد مع تصاعد نشاط داخلي لافت، يتمثل في تبنّي بعض الأصوات السياسية والإعلامية
اللبنانية لخطاب التماهي مع رواية
الاحتلال، بما ينسجم مع مسار الضغوط الخارجية على
المقاومة تحت شعار الواقعية السياسية. إذ ترى مصادر سياسية مطّلعة بأنّ هذه الجهات تعمد إلى تحميل "
حزب الله" مسؤولية التوتر، متجاهلة أن الاحتلال
الإسرائيلي لم يوقف عدوانه حتى مع اعلان وقف إطلاق النار، حيث واصل خروقاته البرية والجوية، وما زال يحتل أراضٍ لبنانية، ويعرقل أي مسار جدي للتعويض عن الأضرار. الأمر الذي يعكس واقعاً غير متوازن يُنفّذ فيه الاتفاق من جانب واحد فقط.
وفي موازاة هذا المسار التصعيدي، طُرحت مؤخراً مهلة زمنية قصيرة على طاولة
النقاش السياسي، تهدف إلى الدفع باتجاه خطوات تنفيذية لنزع السلاح من خارج الدولة، وفي مقدّمه سلاح "حزب الله". وقد أُدرج هذا الطرح ضمن حزمة مطالب سياسية واقتصادية مشروطة بالدعم الدولي وإعادة إعمار ما تضرر من البنية التحتية، في ظل تلويح غير مباشر بإمكان استخدام أدوات ضغط إضافية في حال لم يلتزم لبنان بالمسار المطلوب.
غير أن هذا الطرح، بحسب المصادر، لا يُقرأ إلا كمحاولة لفرض تسوية غير متوازنة تحت ضغط التوقيت والظرف، إذ يُراد من خلاله انتزاع قرار سيادي يمسّ المعادلة الأمنية الوطنية، من دون أي
التزام واضح بوقف العدوان الإسرائيلي أو الانسحاب من الأراضي المحتلة. وفي المقابل، لا تبدي المقاومة أي استعداد للبحث في هذا الملف تحت وطأة التهديد، متمسّكة بموقفها المعلن أن أي نقاش لا يمكن أن ينفصل عن الانتهاكات الإسرائيلية وخريطة الاحتلال التي لم تتغيّر.
رغم ذلك، تُظهر قيادة "حزب الله" مستوى عالياً من الحنكة في إدارة المرحلة. فقد اختارت، وفق المصادر، اعتماد منطق التبريد السياسي عبر التمسّك بخيار الحوار والانفتاح على المبادرات الداخلية، مع التشديد المتواصل على الثوابت الوطنية وحق الرد المشروع. وهي مقاربة متوازنة، تهدف إلى منع الانزلاق نحو مواجهة مفتوحة، وتحاصر التهويل الإسرائيلي بواقعية ميدانية وحكمة سياسية واضحة.
المفارقة أن العدو، الذي لم يتمكن من حسم المواجهة عسكرياً، يسعى الآن إلى هندسة مشهد سياسي لبناني هشّ ومفكّك، ليبدو وكأنه الطرف المنتصر في حرب لم ينتصر بها. وبحسب المصادر، فقد تنبّهت المقاومة باكراً لهذا المسار، وبادرت إلى امتصاص الضغوط من دون الوقوع في فخ المساومة أو التفريط بالسيادة.
وبينما تتواصل الخروقات الإسرائيلية تحت غطاء الصمت الدولي، يتّضح أن اتفاق وقف إطلاق النار لم يكن سوى محطة مؤقتة لإعادة تنظيم أدوات الضغط، لا لتعزيز الاستقرار. وفي الداخل، يبقى التحدي في منع تسلل هذا الضغط إلى بنية القرار الوطني، خصوصاً حين يحاول البعض الاستثمار في الخطاب التهويلي لتسويق تسويات لا تحقّق مصلحة لبنان، بل تكرّس معادلة الإخضاع.
وتختم المصادر بأن المطلوب اليوم ليس فقط الصمود، بل وعي بأن التماهي مع رواية الخارج، عن قصد أو استسهال، هو مشاركة مواربة في إنتاج الأزمة، لا في حلّها.