لا شك في أن الوضع في المنطقة اليوم هو غير ما كان عليه بالأمس القريب. فبعد الهجمات الجوية الاسرائيلية على أكثر من موقع ايراني، وبعد الهجوم الايراني بمئات المسيرات، التي لم تصل إلى أهدافها، في المرحلة الأولى، وبعد استهداف تل أبيب بالصواريخ الباليستية والبعيدة المدى، أصبحت المنطقة بأسرها تقف على فوهة بركان يغلي ولا يعرف أحد متى ينفجر.
فالعالم بأسره مستنفر، من
واشنطن إلى موسكو فبكين، فيما يضع زعماء الدول الكبرى أيديهم، إمّا على الأزرار النووية، وإمّا على قلوبهم. فالهجوم الاسرائيلي على
إيران والردّ
الإيراني السريع سيدخلان هذا العالم في صراع لا حدود له. وقد يكون من بين تداعياته المباشرة وغير المباشرة انهيار النظام العالمي الحالي، وبالأخصّ لجهة إعادة النظر بالتركيبة الهشة لمجلس الأمن الدولي والهيئة العامة لمنظمة الامم المتحدة، التي أثبتت الحروب الأخيرة، سواء في فلسطين أو في أوكرانيا، أن هذه الامم غير متحدة، وأن كل دولة تسعى إلى تأمين مصالحها على حساب مصالح الدول المسماة صغيرة أو مستضعفة.
هدا الامر سيحصل بغض النظر عمّا يمكن أن تؤدّي إليه هذه الحرب من نتائج كارثية، والتي ستنعكس بالطبع على الوضعية الداخلية لكل دول الجوار، وبالأخصّ دول المحور، ومن بينها
لبنان، الذي سيتأثّر سلبًا، أقّله بالنسبة إلى الموسم السياحي، وذلك نظرًا إلى الدور الذي سيلعبه "
حزب الله"، باعتباره أحد أهم حلفاء النظام الإيراني، والذي تربطه به علاقات استراتيجية وعقائدية.
وعلى مدى استعداد "حزب الله" للانخراط في هذه الحرب يتوقّف سيناريو ما
سيلي من تطورات قد لا يكون لبنان في منأى عنها. ولكن السؤال الطبيعي والبديهي الذي يسأله كل مراقب عمّا سيكون عليه الوضع بعد الضربة
الإسرائيلية لإيران، وبعد الردّ الإيراني، الذي استطاع خرق الدفاعات الأرضية الإسرائيلية ، هذا السؤال برسم قادة العالم، الذين لم يعد في استطاعتهم الاكتفاء بإصدار بيانات التأييد أو الإدانة. وهذا السؤال يفتح الباب على سيناريوهات خطيرة ومعقدة، خصوصًا أن الردّ الإيراني على الضربة الإسرائيلية لم يتأخّر كثيرًا هذه المرّة.
واستنادًا إلى هذه الوقائع الميدانية فإنه من المرجّح أن تتسع رقعة المواجهة، التي أصبحت مفتوحة،خصوصًا وأن الردّ الإيراني جاء قويًّا ومفاجئًا. وهذا الأمر ينذر بأن تتدحرج الأمور نحو حرب إقليمية قد تشمل لبنان وسوريا والعراق، وربما لن يكون الخليج في منأى عن تداعيات هذه الحرب المفتوحة. وعليه، فإن المجتمع الدولي سيجد نفسه مضطّرًا للتدخّل لمحاولة ضبط الإيقاع ومنع التصعيد الشامل. فالولايات المتحدة وأوروبا ستسعى إلى احتواء التصعيد، لكنها قد تميل إلى حماية
إسرائيل، فيما ستكتفي كل من
روسيا والصين بالدعوة إلى ضبط النفس، لكنهما قد تستغلان الأزمة لتقوية نفوذهما في المنطقة.
ولا بدّ من الإشارة إلى أن الهجوم
الإسرائيلي على إيران قد يعزز وحدة الجبهة الداخلية خلف القيادة
الإيرانية، أو قد يُستغل لتحويل الأنظار عن الأزمات الاقتصادية والسياسية.
فالضربة الإسرائيلية لإيران والردّ الإيراني السريع قد يشكّلان بداية لمرحلة جديدة من التصعيد المتبادل، وقد تحدد الأيام القليلة المقبلة ما إذا العالم أمام حرب شاملة أو ردود مدروسة تحفظ التوازن من دون الانزلاق إلى كارثة كبرى.
ففي أعقاب الضربة الإسرائيلية المباغتة التي استهدفت منشآت إيرانية حساسة، وبعد الردّ الإيراني السريع، دخلت المنطقة مرحلة دقيقة من الترقب والتأهب. وإذا كانت الأنظار مشدودة نحو طهران بعد ردّها السريع، فإن لبنان، وبخاصة جبهته الجنوبية، يبدو وكأنه يجلس على فوهة بركان قابل للانفجار في أي لحظة، خصوصًا أن "حزب الله" المرتبط بالنظام الإيراني ارتباطًا مباشرًا سيجد نفسه مضطّرًا لكي يوازن بين التزامه العقائدي تجاه "محور
المقاومة"، وبين الواقع اللبناني المنهك اقتصاديًا واجتماعيًا، والمعرّض لأضرار كارثية في حال اندلاع الحرب.
ويسأل السائلون، ولو بلهجة العارف والمستغرب: لو جاء الردّ الإيراني يوم تعرّضت قنصليتها العامة في دمشق لغارة إسرائيلية مدّمرة، ويوم تمّ اغتيال القيادي في حركة "حماس" إسماعيل هنية على أرضها، بالحجم الذي كان عليه ردّ الأمس، هل كانت إسرائيل قد تمادت في استباحة الحرمات في كل من قطاع غزة ولبنان؟
سؤال تُترك الإجابة عنه للأيام المقبلة.