في تصعيد غير مسبوق منذ اتفاق وقف إطلاق النار، نفذت الطائرات الحربية
الإسرائيلية، مساء أمس، سلسلة غارات جوية عنيفة على مواقع محددة في الضاحية الجنوبية لبيروت. هذا الاستهداف الذي وصف بالأعنف ، طال عدداً من الأبنية السكنية، عشية عيد الأضحى، ما ضاعف من وقع الضربة وأبعادها السياسية والإنسانية.
وبحسب ما زعمت القيادة العسكرية الإسرائيلية، فإن الغارات استهدفت منشآت تحت الأرض بذريعة أنها تابعة لـ"الوحدة الجوية" في
حزب الله، وتحديداً وحدة تصنيع الطائرات المسيرة بإشراف وتمويل إيراني. وقبل تنفيذ الضربات، نشر الجيش العدو عبر وسائل إعلامه الرسمية ومواقع التواصل خرائط تحدد المباني المستهدفة، مع توجيه إنذارات مباشرة إلى السكان بضرورة الإخلاء الفوري،بذلك، تكون
إسرائيل قد نقلت المعركة إلى مستوى جديد، في محاولة لمنع الحزب من تعزيز قدراته الجوية، التي باتت تمثل تهديداً جدياً وفق ما صدر في الاعلام
الإسرائيلي.
ان الضربة جاءت وسط تغييرات كثيرة طرأت على المشهد الاقليمي لا سيما السوري منها، ومن المؤكد أنها لا تستهدف حزب الله فقط، بل توجه رسالة صارمة إلى الحكومة ، وإلى الرعاة الدوليين، لاسيما
الولايات المتحدة، مفادها أن إسرائيل لن تتهاون مع أي تطور تعتبره تهديداً مباشراً لما تسميه أمنها، علما أن مصادر أمنية مطلعة وصفت هذه الذرائع بـ"المفبركة"، مؤكدة خلو المواقع المستهدفة من أي نشاط عسكري.
ويرى مراقبون أن هذه الغارات تمثل اختباراً لموقف حزب الله، ومدى استعداده للرد أو ضبط النفس، في ظل ظروف إقليمية حساسة قد لا تحتمل مواجهة واسعة. وما حصل ليل أمس لا يمكن فصله عن السياق السياسي في
لبنان، حيث برزت مؤشرات على انفتاح محدود في النقاشات حول سلاح حزب الله، تزامنت مع زيارة لافتة لرئيس كتلة الوفاء للمقاومة، النائب محمد رعد، إلى كل من بعبدا والسراي الحكومي، وسط حديث عن أجواء إيجابية.
هذا الانفتاح الداخلي، وإن كان متواضعا، يبدو، وفق أوساط سياسية، مقلقا لإسرائيل التي لا ترى في أي تفاهم لبناني داخلي يراعي حزب الله في المعادلة السياسية والأمنية، إلا تهديدا لتفوقها الاستراتيجي ،ومن هنا، يقرأ القصف الأخير ليس كمجرد ضربات عسكرية، بل كرسالة مباشرة إلى الداخل اللبناني: لا تفاهمات، ولا حوارات، ولا استقرار، ما لم ينزع سلاح الحزب أو يتم تحجيمه بشكل جذري.
واعتبر رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون الذي أجرى سلسلة اتصالات دولية وعربية لثني إسرائيل عن القيام باعتداءاتها، أن الغارات هي استباحة سافرة للقوانين الدولية وللقرارات الأممية. وأكد أن ما جرى يمثل انتهاكاً صارخاً لسيادة لبنان، وتحدياً للجهود الدولية الرامية إلى الحفاظ على الاستقرار، ومعتبراً أن هذا العمل الإجرامي هو رسالة دموية موجّهة إلى الولايات المتحدة الأميركية، عبر صندوق بريد
بيروت ودماء أبريائها. وفيما تبنى
رئيس مجلس النواب نبيه بري ما ورد في بيان
الرئيس عون بالكامل، دعا رئيس الحكومة نواف سلام المجتمع الدولي إلى التدخل العاجل لردع إسرائيل عن تكرار اعتداءاتها، وتطبيق القرار 1701.
لا شك أن الغارات الأخيرة تمثل فصلاً جديداً في المواجهة بين إسرائيل وحزب الله، لكنها في الوقت نفسه تحمل أبعاداً إقليمية تتجاوز الحدود
اللبنانية.
وترى مصادر دبلوماسية ان إسرائيل تتحرك باتجاه الضغط على الإدارة الأميركية لمنع أي انفتاح أو مرونة في مقاربة الملف اللبناني. وتشير المصادر إلى أن تل أبيب لا تنظر بارتياح إلى احتمالات نقل ملف لبنان من الشخصيات المتشددة داخل الخارجية الأميركية مثل مورغان أورتاغوس، إلى فريق دبلوماسي أكثر براغماتية.
وكما تقول المصادر الدبلوماسية نفسها، فإن إسرائيل لا تنظر إلى لبنان كساحة مستقلة بل ورقة تفاوض في صراعها الأوسع مع
إيران، وأي تهدئة في لبنان خارج التنسيق الإسرائيلي تعني خسارة ورقة ضغط ثمينة. لذلك، فإن التصعيد الإسرائيلي – العسكري ، محاولة لإبقاء الوضع اللبناني في حالة "جمود مضطرب"، تمنع التسوية وتبقي حزب الله تحت ضغط دائم، مع الإشارة إلى أن
وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي وفي زيارته الأخيرة إلى بيروت أكد فتح صفحةٍ جديدةٍ في العلاقات الثنائيّة مع لبنان، تقوم على قاعدة الاحترام المتبادل وعدم تدخّل أيّ دولةٍ في شؤون الأخرى.