إذا أراد أي مراقب سياسي أن يقيّم عمل حكومة "الإنقاذ والإصلاح " منذ أن تشكّلت حتى الآن لا يسعه أن يجد من شعارها الشيء الكثير. فخلال فترة المئة يوم التي مضت من عمر "حكومة السنة" لم تنجز ما يسمح لعدد من المتفائلين بأن يذهبوا في تفاؤلهم إلى حدود إمكانية وضع البلاد على سكّة الإنقاذ والإصلاح كحقيقة ملموسة على أرض الواقع، وليس فقط عبر الشعارات والعناوين العريضة، التي تبقى فارغة من أي مضمون ما لم يلمس المواطنون أي حركة إصلاحية حقيقية وأي إنقاذ يمكّنهم من تنفّس الصعداء. ومع كل يوم يمرّ من دون أن تحقّق هذه الحكومة خطوات الـ "ألف باء" في مسيرة الإصلاح يُضاف همّ جديد على همّ آخر، خصوصًا أن أنّات الموظفين بدأت تفعل فعلها، وسيكون لهم تحرّك سريع وفاعل هذه المرّة، لأن الوعود التي قُطعت لهم والآمال العريضة التي منّوا النفس بها قد تبخّرت عند أول استحقاق عندما لمسوا أن ما حاول البعض إيهامهم به لم يكن سوى سراب، وأن المنّ والسلوى، التي سالت عليهما لعابهم، لم يكونا سوى "حصرم رأوه في حلب".
فإذا أراد هؤلاء المراقبون أن يسايروا ويمدحوا ما تقوم به هذه الحكومة فلن يجدوا ما يكفيهم من حجج لتغطية ما في أدائها من ثغرات. وقياسًا إلى الفترة الزمنية المتبقية من عمر هذه الحكومة فإنه لا يؤمل في أن تحقّق ولو القليل مما ورد في بيانها الوزاري. وما يُحكى عن الأداء الحكومي لا يُحسب بالطبع من رصيد
العهد الجديد. فهذا
العهد الذي بدأ بخطاب قسم رسم الخطوات البيانية، التي تبدو واضحة في الخطوات المزمع أن يقوم بها رئيس الجمهورية
العماد جوزاف عون، وإن كان ما بين التعهدات التي أطلقها في التاسع من كانون الثاني الماضي أمام نواب الأمة وبين الواقع الكثير من الفروقات.
وبغض النظر عمّا ورد في بيان الحكومة الوزاري، والذي على أساسه نالت ثقة ممثلي الشعب فإن شعار "الإنقاذ والإصلاح" لم يأخذ بعد طريقه لكي يُترجَم مضمونه على أرض الواقع. فـ "الإنقاذ" بمفهومه العام يفرض بادئ ذي بدء ألا تبقى أجزاء من الأراضي
اللبنانية محتلة من قِبل عدو لا تزال نواياه تجاه
لبنان ملتبسة، وإن كانت لا تخفى على من في يدهم مفتاح الحلّ. فإذا بقي هذا
الاحتلال رابضًا على التلال الخمس، التي اعتبرتها
تل أبيب في حينه أنها في غاية الأهمية استراتيجيًا بالنسبة إلى الأمن
الإسرائيلي الشمالي، فإن ملف سلاح كلٍ من الفصائل
الفلسطينية داخل المخيمات وخارجها و"
حزب الله" سيبقى عالقًا حتى إشعار آخر. وهذا ما يعبّر عنه بكل وضوح المسؤولون عن هذه المنظمات وعن "الحزب"، الذين يربطون بين تسليم السلاح إلى
الدولة اللبنانية بمدى قدرتها على تحرير الأراضي الجنوبية المحتلة من خلال ما يمكنها القيام به من اتصالات ديبلوماسية مع عواصم القرار.
ما هو واضح حتى الآن أن لبنان الرسمي لم يلقَ من الدول، التي في إمكانها الضغط على
إسرائيل لكي تسحب جيشها من التلال المحتلة، وبالتالي أن توقف اعتداءاتها اليومية على أكثر من منطقة لبنانية، سوى الوعود. وإذا لم تنجح مساعي لبنان الديبلوماسية، وبالأخص مع
الولايات المتحدة الأميركية، فإن الوضع الأمني الهشّ سيبقى على حاله، إن لم يتطّور نحو الأسوأ، وبالتالي فإن ملف السلاح لن يُفتح على حلول قريبة، وذلك على رغم المساعي الحثيثة التي يقوم بها
الرئيس عون في حواره "الهادئ والهادف مع قيادات "حزب الله".
فشعار "الإنقاذ" الذي رفعته الحكومة في شقّه الأول لا يزال مجرد شعار. ولكي يصبح حقيقة واقعية فإن ما تبّقى من عمر هذه الحكومة لا يوحي بأن ثمة من يتفاءل كثيرًا في التوصّل إلى ما يؤشرّ إلى أن هذا الشعار سيقترب تدريجيًا نحو ما يمكّن المواطن القلق من الاطمئنان إلى غده غير الجلي حتى الآن.
ولكي لا يكون حكم الناس مبرمًا في حقّ الحكومة فإن المراقبين السياسيين يحاولون إعطاءها أسبابًا تخفيفية، وذلك من خلال رسم صورة واضحة عن الوضع المتأزم في المنطقة، والذي يتأثّر به لبنان حكمًا، على أن يُستكمل تفصيل ما لم يتحقّق من
القسم الثاني من شعار الحكومة في شقّه الإصلاحي في مزيد من البحث والتشريح.