لطالما شكّلت المتاجر الصغيرة جزءاً لصيقاً بالنسيج الاجتماعي والاقتصادي للبنان، ولها ذكريات في بال كل منا. من دكاكين "السمانة" في الحي، إلى محلات الملابس في كل شارع، وصولاً إلى المكتبات التي تفوح منها رائحة الكتب والصحف وسواها من المتاجر التي شكّلت مساحات للحكايات اليومية، ومصادر رزق للعديد من العائلات. كلها تجمع صورة تقليدية بدأ نجمها يخفت مع سطوع هالة التسوق الاكتروني، الظاهرة التي تقع هذه المتاجر ضحيتها.
بتنا في زمن ركيزته الأساسية التكنولوجيا، مع كل ما تحمله وسائل التواصل الإجتماعي من منصات تقدم للمستهلكين خيارات واسعة، وأسعاراً تنافسية، وسهولة في الشراء لم تكن متاحة من قبل، ما يشكّل خطراً على المتاجر الصغيرة في
لبنان التي يؤمل أن تتمكن من الصمود في وجه هذه
العاصفة الرقمية.
ومن أبرز التحديات التي تواجه هذه المتاجر في ظل المنافسة غير المتكافئة، القدرة التنافسية للأسعار. فغالباً ما تستطيع المتاجر الإلكترونية تقديم أسعار أقل، وذلك لعدم تحملها تكاليف التشغيل المرتفعة كالإيجار والأجور والمخزون الكبير.
كما أن تنوع المنتجات هو مشكلة أمام المحلات الصغيرة، إذ توفر المتاجر الإلكترونية تشكيلة واسعة من المنتجات التي قد لا تتوفر في المتاجر الصغيرة بسبب محدودية المساحة ورأس المال، فضلاً عن أن العديد من المستهلكين باتوا يفضلون التسوق من منازلهم، خاصة مع سهولة الوصول إلى المنتجات وتوصيلها إلى عتباتهم.
إلى ذلك، يفتقر العديد من المتاجر الصغيرة إلى المعرفة والقدرة على تبني التكنولوجيا، وإنشاء منصات خاصة بها، أو حتى استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بفاعلية، خاصة وأن الأزمة الاقتصادية أثرت على القوة الشرائية للمستهلكين، وزادت من تكاليف التشغيل على التجار.
كما أن التسوق الإلكتروني يحرم المستهلكين من التجربة الحسية التي يقدمها المتجر التقليدي، من لمس المنتجات إلى شم الروائح، والتفاعل مع البائعين، فضلاً عن أنه في كثير من الأحيان، عندما يحتاج المستهلك إلى منتج معين بشكل فوري، فإن المتجر الصغير القريب هو الخيار الأفضل.
إلا أنه لضمان استمرارية المتاجر الصغيرة، لا بد من تبني استراتيجيات جديدة للتعايش والتكيف مع واقع التسوق الإلكتروني، فيمكن للمتاجر الصغيرة مثلاً استخدام وسائل التواصل الاجتماعي للترويج لمنتجاتها، والتواصل مع الزبائن، وحتى تلقي الطلبات البسيطة.
كما يجب على المتاجر الصغيرة أن تركز على تقديم تجربة تسوق فريدة ومميزة، من خلال خدمة زبائن ممتازة، وتوفير منتجات ذات جودة عالية، وتنظيم فعاليات خاصة، كما يمكنها أن تختار التخصص في منتجات معينة أو تقديم خدمات فريدة تميزها عن المنافسين الكبار.
بدوها، على الحكومة والجمعيات الأهلية تقديم الدعم للمتاجر الصغيرة، من خلال برامج تدريبية، وتسهيلات ائتمانية، ومبادرات للترويج للمنتجات المحلية.
ليست المتاجر الصغيرة في لبنان مجرد أماكن للبيع والشراء، بل هي جزء من هويتنا الثقافية. ومن خلال تبني استراتيجيات ذكية، يمكن أن تواصل هذه المتاجر تقديم خدماتها للمجتمع، وأن تحافظ على مكانتها كعصب نابض في قلب الحياة
اللبنانية بالتكامل مع التطورات التكنولوجية.