كتبت سابين عويس في" النهار": على أهمية المحادثات الأميركية -
السورية بين الرئيسين الأميركي
دونالد ترامب والسوري أحمد
الشرع في الرياض، سواء على مستوى قرار
ترامب رفع
العقوبات عن
سوريا، أو ما أعلنه أول من أمس عن أن الشرع أجاب بالإيجاب عندما سأله عن انضمامه إلى "اتفاقات أبراهام"، واصفاً إياه بـ"الرائع والشاب الجذاب"، أو على مستوى الكلام الصادر عن رئيس المجلس
نبيه بري الذي أعلن بصريح العبارة أن "سوريا ماشية بالتطبيع"، فإن هذه المؤشرات لم تأخذ حيزاً مهماً في
النقاش الداخلي المنشغل بالانتخابات البلدية وتحقيق توازنات جديدة كما حال حزب "
القوات اللبنانية"، أو على الأقل الحفاظ على التوازنات السابقة كما فعل ثنائي "
حزب الله"- "أمل".
لا يمكن إبعاد كلام
بري عن نتائج انفتاح
دمشق على استعادة علاقاتها بالدول العربية، والذي يشكل مقدمة لانضمامها إلى مسار التطبيع الذي سبقتها إليه بعض هذه الدول ولا سيما الخليجية منها، في توقيت يحرج
لبنان، الذي يعيش أزمة سياسية حادة نتيجة عجزه عن الإيفاء بالتزاماته في شكل كامل في ما يتصل بنزع سلاح "حزب الله"، وحصرية السلاح في يد الدولة، كما يعبّر عن حال القلق والخشية التي تسود لدى رئيس المجلس، المدرك تماماً أن لبنان لم يعد بعيداً عن تجرع كأس التطبيع، بعدما سلكت غالبية دول المنطقة هذا المسار، من دون أن تكون في مواجهة مباشرة مع
إسرائيل أو على حدودها، كما هي حال لبنان الذي ينوء تحت ضغط الاعتداءات
الإسرائيلية المتكررة.
وتقرأ مصادر سياسية في كلام بري حذراً من التغير المنتظر في موقف دمشق التقليدي من الصراع العربي -
الإسرائيلي.
فهذا الكلام، إذا ثبتت صحته، يشكل تحولًا جذريًا في ميزان القوى الإقليمي، وله تداعيات كبيرة على لبنان الذي يرتبط تاريخيًا وجغرافيًا وسياسيًا بسوريا. فلبنان لا يزال رسميًا في حالة حرب مع إسرائيل، وموقفه محرج أمام تحولات كهذه. فإذا كانت سوريا، الحليف التقليدي لمحور "الممانعة"، تتجه فعليًا نحو التطبيع، فإن الأسس التي يقوم عليها الخطاب السياسي لعدد من القوى
اللبنانية، وعلى رأسها "حزب الله" وحركة "أمل"، قد تتعرض لاهتزاز كبير. ولطالما كانت مقاومة إسرائيل ركيزة أساسية لشرعية هذا المحور. كما أن هذا التطور سيشكل ضغطًا إضافيًا على لبنان للتماهي مع المتغيرات الإقليمية، أو على الأقل لإعادة النظر في موقعه داخل هذه المعادلات. ومع ذلك، فإن الانقسام الداخلي العميق، وضعف القرار السيادي، والتبعية لمحاور خارجية، تجعل من الصعب على لبنان اتخاذ موقف موحد أو واضح.
وفي رأي المصادر أن كلام بري يثير مخاوف وتساؤلات عن مستقبل القضية
الفلسطينية، ومصير اللاجئين
الفلسطينيين في لبنان، ولا سيما إذا كان التطبيع يأتي من دون حل شامل كما هو ظاهر. في المقابل، يعاني لبنان انقساما بين القوى السياسية حول مقاربة إعادة بناء علاقة طبيعية مع سوريا، بعد سقوط نظام
بشار الأسد، تقوم على رعاية المصالح المشتركة، وخصوصاً أن البلد لن يتمكن من الإفادة من قرار رفع العقوبات ما لم تأخذ هذه العلاقة مسارها السليم بحيث يصبح في الإمكان ضبط الحدود ووقف التهريب ومد خطوط
الغاز والكهرباء، وضمان العبور الآمن لحركة الترانزيت.
في رأي المصادر أن كلام بري ليس وليد الظرف والمناسبة، وهو الذي يرى ويرصد المتغيّرات في المنطقة والعدد الكبير من الدول التي سلكت مسار التطبيع، بل يحمل في طياته رسالة داخلية وإقليمية.
داخلياً، هو تلميح إلى أن لبنان يجب أن يواكب التغيرات في الإقليم، وألا يبقى أسير الانقسامات القديمة حيال سوريا. وبري الذي يؤدي اليوم دوراً أساسياً ومحورياً في الدفع نحو تطبيق قرار وقف النار الذي تم برعايته داخلياً وبضمان فرنسي - أميركي، يبدو كمن يدعو القوى اللبنانية الأخرى إلى "إعادة النظر" في موقفها من النظام السوري، خصوصاً في ظل التحولات في المشهد العربي، مثل عودة سوريا إلى الجامعة العربية وتبادل السفراء مع دول
الخليج، في حين أن لبنان يعجز عن ممارسة أي ضغط عربي أو دولي على إسرائيل للانسحاب ووقف اعتداءاتها التزاماً لاتفاق وقف النار.
وتخلص المصادر إلى أن كلام بري ليس مجرد توصيف لواقع إقليمي، أو مجرد تحليل سياسي، بل هو تحذير مبطن من أن مرحلة جديدة تُرسم في المنطقة، وعلى لبنان أن يستعد لعالم قد لا تكون فيه سوريا "الخندق الأول" في مواجهة إسرائيل، بل هو، وبالتالي، هو مدعو إلى أن يعيد تموضعه في ضوء المتغيرات الكبرى التي تشهدها المنطقة.