يعيش
دروز لبنان اليوم لحظة قلق حقيقي مع تصاعد الاشتباكات في محيط
السويداء بين أبناء طائفتهم والمسلحين التابعين أو المقربين من الحكم الجديد في
سوريا. هذا الاشتباك، الذي بدا في ظاهره متقطعًا، يحمل في عمقه بذور انفجار لا يبدو أنه سينتهي، حتى لو مر بفترات هدوء مؤقت. فالعلاقة المتوترة بين دروز سوريا والنظام الجديدة ليست جديدة، لكنها اليوم تدخل طورًا أكثر حساسية وتعقيدًا، خاصة بعدما أصبح واضحًا أن
الدروز في سوريا لم يتخلوا عن سلاحهم، ويحظون بدعم جدي ومفتوح من الخارج.
هذه المعادلة تزعج النظام السوري الجديد الذي لن يقبل بوجود جيب مسلح مستقل ومدعوم من الخارج في قلب الجنوب السوري وفي محيط العاصمة. لذلك، فإن أي فرصة سانحة، سواء كانت ناتجة عن انشغال
إسرائيل بأزمة داخلية، أو حــرب على جبهة غــزة، أو تمدد
بري، قد يستغلها النظام لشن معركة حاسمة ضد دروز سوريا. وهنا تكمن الخطورة على دروز لبنان، الذين بدأت تصلهم أصداء هذه التطورات، في ظل ظروف تذكّرهم بمشاهد ومجازر الماضي في الساحل السوري، وتحديدًا في منطقة الساحة.
في لبنان، ثمة رأيان متناقضان حيال هذه التطورات. الرأي الأول يرى أن ما يحصل في جرمانا يبقى شأنًا سوريًا بحتًا، ولا يمكن أن يمتد إلى لبنان، حيث الوضع مختلف، ولا يوجد تماس مباشر أو حساسية بنفس الدرجة في سوريا. أما الرأي الثاني، وهو الأكثر قلقًا، فيعتبر أن الواقع الدرزي في لبنان، باعتباره جزءًا من أقلية موزّعة في منطقة غير مستقرة، مهدد بدوره، وقد يكون عرضة لتداعيات أي انفجار في الجوار السوري، سواء مباشرة أو عبر تحولات سياسية وأمنية أوسع.
هذا القلق المتزايد دفع النائب السابق
وليد جنبلاط إلى التحرّك. فزار سوريا للقاء المسؤولين في محاولة لاستكشاف إمكانيات التهدئة، ولمنع انزلاق الطائفة نحو خيارات خطيرة.
جنبلاط يدرك أن الرهان على إسـرائيل، أو الاستقواء بها، هو خيار انتحاري للطائفة، ليس في سوريا فقط بل في المنطقة بأسرها. لذلك، يرى أن التفاهم مع
النظام الجديد، مهما كان صعبًا، هو ضرورة حيوية، وأن احتواء الفتنة
الإسرائيلية يتطلب انفتاحًا على
دمشق ولو مشروطًا.
من جهة أخرى، تسابق إســرائيل الوقت لحسم المواجهة في الجنوب السوري، وهي ترى في الاشتباك مع الدروز فرصة لتقويض استقرار النظام السوري الجديد، أو دفعه إلى معركة استنزاف. إلا أن ما يغيب عن المشهد المباشر، أن هذا الصراع قد يكون في جوهره انعكاسًا لتوتر إقليمي أكبر، بدأ يظهر ويتمظهر أكثر فأكثر، وهو الصراع الخفي بين إســرائيل وتركيا على النفوذ في قلب المشرق، وتحديدًا في سوريا، حيث تقاطع الطرق وتناقض المصالح.
يجد الدروز أنفسهم اليوم أمام خيارين صعبين: إما التعايش مع معادلات الحكم السوري الجديد ومحاولة تجنّب فتنة إقليمية قد تطيح بهم، أو الانجراف خلف مشاريع خارجية لا تأخذ مصالحهم بعين الاعتبار، ما يضع مستقبلهم الجماعي في مهبّ المجهول.