تنطلق غدا الانتخابات البلدية والاختيارية في
لبنان، حيث تجرى المرحلة الأولى منها في محافظة
جبل لبنان بأقضيتها:
جبيل، كسروان، المتن
الشمالي،
بعبدا، عاليه، والشوف، وتتميز هذه الانتخابات بطابع استثنائي في ظروفها وزمانها، فالظروف السياسية والاقتصادية المعقدة لم تسمح بتشكيل تحالفات سياسية قوية كما كان يحدث في الدورات السابقة ، هذا فضلاً عن الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها لبنان، والاضطراب الأمني والسياسي المستمر.
هذه الانتخابات ستكون اختبارا جديدا لحجم التأثيرات العائلية والتحولات السياسية في لبنان. فرغم الظروف الصعبة، فإن هذه الانتخابات مع انطلاقة
العهد الجديد تشكل مرحلة محورية للعديد من
القوى السياسية في جبل لبنان، خاصة وأنها لا تقتصر فقط على تحديد مستقبل البلديات بل تمتد تأثيراتها إلى تشكيل التحالفات المستقبلية على الصعيدين المحلي والنيابي.
أبرز ملامح انتخابات هذه
الدورة يتمثل في الصعود القوي للتحالفات العائلية على حساب القوى السياسية الكبرى. ففي بلد لطالما كان تتحكم فيه الأحزاب السياسية التقليدية، فهذه التحالفات العائلية أصبحت تشكل حجر الزاوية للكثير من الحملات
الانتخابية، والتي تسعى إلى تحقيق مصالح محلية أكثر من السعي وراء أهداف سياسية أوسع.
في منطقة
جونية، على سبيل المثال، تتنافس لائحتان رئيسيتان، الأولى تضم شخصيات بارزة مثل النائب نعمة إفرام ورشيد
الخازن، بدعم من
القوات اللبنانية وحزب
الكتائب، بينما تتكون اللائحة الثانية من وجوه شابة وأسماء محلية مدعومة من تيارات مختلفة. هذا التباين بين القوائم الانتخابية يعكس التغيرات الكبيرة في المشهد السياسي اللبناني، حيث تراجع دور الأحزاب لصالح التحالفات العائلية التي قد تكون أكثر قربًا من الناخبين المحليين.
وتعد انتخابات اتحاد بلديات المتن الشمالي واحدة من أبرز
المحطات في هذا الاستحقاق، حيث تعتبر هذه الانتخابات أكثر من مجرد استحقاق بلدي محلي. تتضمن هذه الانتخابات سباقًا محمومًا على رئاسة الاتحاد، والذي يضم 33 بلدية من أصل 55 في المنطقة علما أن انتخابات المتن شهدت تفاهمات واضحة في البلدات الجبلية، بينما اشتعلت المنافسة في بلديات الساحل، حيث تدور أبرز المعارك في الضبية، والجديدة والزلقا.
في هذا السياق، تتزايد المنافسات بين القوى السياسية التقليدية. فحزب الكتائب، الذي يعد من أبرز القوى السياسية في لبنان، يسعى إلى تمسكه بوجوده التاريخي من خلال تحالفات مع بعض العائلات المحلية. في المقابل، يسعى
التيار الوطني الحر إلى تعزيز دوره في الانتخابات المحلية عبر عقد تحالفات استراتيجية مع الأحزاب المحلية الأخرى. وما بينهما تسعى القوات
اللبنانية، إلى انتزاع أكبر عدد من البلديات، والهيمنة على المشهد البلدي لتعزيز موقعها كلاعب رئيسي. أما النائب ميشال المر فيعتمد في حملته الانتخابية على شبكة دعم واسعة النطاق، مستندا إلى إرث سياسي عائلي عريق تركه له جده النائب الراحل ميشال المر. فهو يستفيد من ماكينة انتخابية نشطة ومن علاقات راسخة مع كبرى العائلات في منطقته، مما يمنحه قاعدة شعبية متينة. بالإضافة إلى ذلك، عقد مجموعة من التفاهمات الموضعية مع قوى سياسية مختلفة.
وعليه، فان الانتخابات البلدية في المتن مقدمة لمعركة بين مرشحتين من عائلتين كبيرتين في المتن على رئاسة اتحاد بلديات المتن: ميرنا المر، رئيسة الاتحاد الحالية، ونيكول الجميل، رئيسة بلدية بكفيا. هذه المنافسة لا تقتصر على مجرد معركة انتخابية بل تحمل بعدا سياسيا مهما، حيث التنافس على إثبات قوة نفوذهما في المنطقة، مما يجعل من هذه المعركة ساحة اختبار للقوة السياسية لهذه العائلات. وبالتالي، فإن نتائج هذه الانتخابات ستؤثر بشكل كبير في التوازنات السياسية وستساهم في رسم خريطة التحالفات المستقبلية على الصعيدين النيابي والمحلي،
ومع ذلك يمكن القول إن كل الأحزاب تواجه تحديات كبيرة. فالناخب يعاني من التبعات الاقتصادية القاسية التي جعلت العديد من المواطنين يتوجهون إلى مرشحين محليين أكثر قرباً من همومهم اليومية بدلاً من الانتماء للأحزاب السياسية الكبرى رغم كل المغريات والرشاوى. ولذلك فإن النتائج التي ستسفر عنها هذه الانتخابات ستكون بمثابة مؤشر لما قد يحدث في الانتخابات النيابية المقبلة.