الذين استمعوا إلى كلمة
الأمين العام لـ "
حزب الله" الشيخ نعيم
قاسم وهو يتحدّث عن مسؤولية الدولة في ممارسة دورها لجهة الضغط على
الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا، وهما الراعيتان لاتفاق وقف اطلاق النار، عادوا بالذاكرة إلى اليوم الأول الذي تلا عملية "طوفان
الأقصى"، حين قرّر "الحزب" منفردًا فتح جبهة الجنوب لمساندة فلسطينيي
قطاع غزة، وسألوا بموضوعية عمّا تغيّر بين الأمس والغد، ولماذا لم يستشر يومها الأمين العام السابق الشهيد
السيد حسن نصرالله الدولة أو أي مكّون من المكونات
اللبنانية عندما اعتبر أن كيان العدو أوهى من خيوط العنكبوت، وراهن على أن قواعد الاشتباك ستبقى هي السائدة ليكتشف أن حسابات الحقل
الإسرائيلي لم تتطابق مع حسابات بيدر "الحزب" في 18 أيلول الماضي حين تمكّنت
إسرائيل من تسجيل أكبر اختراق أمني من خلال عملية تفجير "البيجرات"، فضلًا عن استهدافها قيادات الصف الأول من النخبة السياسية والنخبة العسكرية.
فعندما يقول الشيخ قاسم "إننا سلّمنا للدولة اللبنانية أن تكون هي المفاوض الأساسي، وهي المسلطة على حماية البلد، وهي التي تستخدم
الجيش اللبناني من أجل القيام بواجباته في جنوب نهر الليطاني وفي كل
لبنان. نحن نعتبر أنّ الدولة مسؤولة عن المتابعة بالضغط على الدولتين الراعيتين، أمريكا وفرنسا، وكذلك على
الأمم المتحدة ومجلس الأمن وقوات الطوارئ الدولية. على الدولة أن تضغط، والضغط الذي مارسته الدولة حتى الآن هو ضغط ناعم وبسيط، لا يرقى إلى أكثر من بعض التحركات وبعض التصريحات. هذا أمر غير مقبول"، يُفهم من هذا الكلام أن "الحزب" بدأ مرحلة جديدة من التعاطي السياسي مع الوقائع، التي فرضها العدو من خلال الاستهدافات المتواصلة، والتي تدخل في إطار الخروقات اليومية لاتفاق وقف إطلاق النار، والتي تخطّى تعدادها الألفي خرق.
وفي اعتقاد بعض المراقبين أن هذا الواقع المفروض على لبنان، الذي لم يقصّر في اتصالاته الدولية لوقف هذه الاعتداءات، التي تصبّ في خانة التجاوزات
الإسرائيلية اليومية لكل المواثيق والأعراف الدولية، بدأ يأخذ منحىً مغايرًا عمّا كان عليه الوضع قبل فتح جبهة الاسناد، التي كانت من بين الذرائع التي استند إليها العدو ليشنّ حربه الواسعة على لبنان، والتي طاولت بأهدافها في شكل أساسي بيئة "حزب الله" في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت، وإن كان هذا العدو لا يحتاج إلى أي ذريعة للقيام بما كان يسعى إليه حتى قبل عملية "طوفان الأقصى" وقبل فتح جبهة الاسناد.
وما يمكن قراءته ما بين سطور كلام الشيخ قاسم، الذي طالب الدولة بأن "تتحرك بشكل أكبر، بشكل يومي، بشكل متفاعل"، من خلال استدعاء سفراء الدول الخمس الكبرى، ورفع شكاوى إلى
مجلس الأمن، هو أن "الحزب" بدأ يتعاطى مع الوقائع من خلال تسليمه بالدور الديبلوماسي لوقف هذه الاعتداءات، وهو الدور الذي قام به
الرئيس نجيب ميقاتي منذ اليوم الأول لبدء الحرب الإسرائيلية على لبنان، وهو الذي لم يتوانَ لحظة واحدة عن القيام بما كان يجب القيام به لكي ينقذ ما يمكن إنقاذه، سواء من خلال اتصالاته الدولية، وبالأخصّ مع الجانب الفرنسي والمجتمع الدولي، لتجنيب لبنان المزيد من
الكوارث والمآسي، وقد نجح إلى حدّ غير مسبوق في تجنيب مطار
بيروت، على سبيل المثال، من أي استهداف، وبقي هذا المرفق الحيوي محيّدًا، على رغم ما تعرّضت له الضاحية الجنوبية من قصف هستيري، وبالأخصّ عندما تم استهداف الأمينين العامين السابقين السيدين حسن نصرالله وهاشم صفي الدين.
أمّا ما يقوم به رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون من اتصالات مزدوجة بين الخارج والداخل فهي تصبّ في خانة ممارسة أقصى الضغوطات الممكنة والمتاحة بهدف لجم الاعتداءات الإسرائيلية، وآخر هذه الاتصالات ركزّت في شكل أساسي على أن تقوم
واشنطن بما لديها من قوة ضغط على
تل أبيب لكي توقف اعتداءاتها في الفترة التي ستشهد فيها المناطق المستهدفة انتخابات بلدية كمقدمة ضرورية لاستكمال العمل بما يؤمن انسحابًا كليًّا من كل شبر من الأراضي اللبنانية المحتلة، وذلك افساحًا في المجال أمام الجيش ليتكمل انتشاره الفعلي في كل المناطق الواقعة جنوب الليطاني كخطوة أولى ستليها حتمًا خطوات أخرى أكثر أهمية في مختلف المناطق اللبنانية، التي يفترض أن تكون خالية من أي سلاح غير السلاح الشرعي، الذي تحدثت عنه مقدمة اتفاق وقف إطلاق النار.