لم يتوقّع كثيرون أن تنشأ علاقة وثيقة بين رئيس الجمهورية جوزاف عون و"
الثنائي الشيعي" بهذه السرعة، لكن الوقائع تتّجه إلى ما هو أبعد من التنسيق الظّرفي. فثمة تفاهم متنامٍ بين الطرفين، بدأ يُوصف في الكواليس
الاعلامية بأنه من أفضل العلاقات السياسية بين رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس النواب منذ سنوات، وهو ما يعزّز ثقة "
حزب الله" بمسار
العهد، وبالخيارات الكبرى التي قد يحملها على الصعيدين المحلي والدولي.
هذا التقارب، وإن بقي حتى الآن مضبوط الإيقاع، لم يمرّ مرور الكرام على القوى التي ساهمت في إيصال عون إلى
قصر بعبدا، وتحديداً حزب "
القوات اللبنانية" الذي بدأ بتصعيد حملته على العهد، في سياق يبدو أنه مرشّح للتوسّع في الأيام المقبلة، بما يُهدّد بإغلاق أبواب التفاهم بين الطرفين.
لكن
الرئيس عون يبدو غير معنيّ بهذا الاشتباك. يتحرّك بثقة مستنداً إلى شبكة علاقات دولية متينة، لا سيما مع
الأميركيين، تمنحه هامشاً واسعاً في التحرك، وتُتيح له تجاوز بعض الثوابت التي غالباً ما تُقيّد سلوك
حلفاء واشنطن في
لبنان. إلا أن هذا الانفتاح لا يُترجم تبنّياً مطلقاً للمواقف الأميركية، بل يخضعها إلى ميزان دقيق من
التوازنات المحلية، ما يفتح أمامه المجال للمناورة.
في المقابل، يقرأ "حزب الله" هذه المعادلة بإيجابية؛ فمع تزايد الاطمئنان إلى سلوك الرئيس الجديد، بدأ الحزب يمنحه ما يشبه الرصيد السياسي الذي يمكن البناء عليه، ليس فقط داخلياً بل أيضاً في الخطاب الموجّه إلى الخارج. حتى أن "الحزب" بات أكثر مرونة في مقاربة ملف السلاح، إذ يُبدي استعداداً للانخراط في نقاش سياسي حوله، ولو على مستوى الخطاب، ما يُشكّل دعماً إضافياً للرئيس عون في علاقاته الخارجية، وفي تماسكه ضمن
البيئة المسيحية.
رغم ذلك، فإن التفاهم بين الطرفين لا يزال في بداياته. فالعهد لم يُختبر بعد في
المحطات الكبرى، والانتخابات النيابية المقبلة ستكون مفصلية في إعادة تشكيل التوازنات
الداخلية، والتي سيُبنى عليها مسار المرحلة المقبلة.
بعدها فقط، يُمكن الحديث عن بناء دولة ومؤسسات، واستعادة الدعم الدولي، بالتوازي مع ملامح تفاهمات إقليمية يُرجّح أن تتبلور في الأشهر المقبلة.