الأم اللبنانية ليست مجرد امرأة تحمل لقب الأم، بل هي عمود البيت وسنده، هي اليد الحانية التي تمسح دموع أطفالها رغم أن عينيها ممتلئتان بالحزن، وهي القلب الذي ينبض حبًا حتى وإن ضاقت به الأيام. هي التي تفني شبابها في سبيل راحة أولادها، تتحدى الظروف القاسية، وتقاوم بأمل لا ينكسر، في وطن لم يكن يومًا كريمًا معها كما كانت هي كريمة بعطائها. كم من أم في لبنان تحملت الأعباء بمفردها، لعبت دور الأب والأم معًا، وواجهت الحياة بقوة صامتة؟ كم من أم سارت في دروب الغلاء والحرمان ولم تستسلم؟ إنها الأم اللبنانية، التي مهما اشتدت المحن تبقى عنوانًا للصبر، ورمزًا للتضحية. هي التي تقتطع من أحلامها لتصنع لأبنائها واقعًا أكثر أمانًا. في عيدها، ليس هناك من هدية تفيها حقها، وليس هناك من كلمات تكفي لوصف ما تعانيه. قد يُقال إن الذهب ثمين، لكن أي ذهب يساوي قيمة قلب الأم الذي يضيء حياة أولادها بلا مقابل؟
مجددًا، يحلُّ عيد الأم في
لبنان على وقع أزمة اقتصادية صعبة يعيشها اللبنانيون بعد حرب مهلكة، قضت على مصادر دخل مئات الآلاف من الاشخاص، لتغيب الاحتفالات التقليدية التي كانت تحصل، خاصة
الكبيرة منها، ولعل الركود التي تشهده محال الحلويات والذهب وغيرها، خير دليل على ذلك. وعلى الرغم من إصرار العائلات
اللبنانية على إحياء هذه المناسبة التي تعتبر من المناسبات المقدسة نظرًا لدور الأم في بناء
العائلة، خاصة الأم المكافحة في
لبنان، شهدت بعض محال الحلويات حركة جيّدة بعض الشيء، وهذا ما يؤكّد عليه رمزي حلّاق، وهو صاحب محل حلويات، إذ أشار لـ"لبنان24" إلى أن الطلبات على قوالب الحلوى المخصصة لعيد الأم ارفعت خلال اليومين الماضين، إنّما الزخم لا يمكن أن يقارن مع السنوات الماضية، إذ كان عدد الطلبات أكثر بكثير مما هو عليه اليوم.
وفي جولة على الاسعار فقد تفاوتت قيمة قوالب الحلوى بين متجر وآخر، إذ يبدا سعر قالب الحلوى الذي يكفي لعشرة أشخاص ب 15 دولارا، في حين يتراوح سعر القالب الذي يكفي لعشرين شخصا بين 25 و 30 دولارا.
وعلى الرغم من رمزيتها الجميلة، إلا أنّ الورود هي الاخرى باتت صعبة المنال بالنسبة لعدد من الشباب والشابات الذين تأكلت رواتبهم، خاصة وأن المسؤولية الاجتماعية زادت بالنسبة للشباب اللبناني منذ بدء الأوضاع الاقتصادية في التراجع بلبنان.
وفي جولة لـ"لبنان24" على أسعار الورود، التي أيضا تشهد تفاوتًا بين متجر وآخر، فقد بلغ سعر باقة كبيرة من الورود 45 دولاراً، في حين وصل سعر الوردة الواحدة إلى 7,33 دولارا. أما مجموعة ورود الاقحوان، فقد وصل سعرها إلى 22 دولارا، بينما وصل سعر 9 وردات برتقالية إلى 26 دولارا، وهو نفس السعر لعشر وردات من التوليب الأحمر.
في هذا السياق، وخلال الأعوام الماضية، لجأ عدد من العائلات إلى الاتجاه للتقليل من النفقات، إذ باتت في بعض الاماكن تقتصر الاحتفالات على المشاريع البسيطة داخل المنازل، في وقت غابت الحفلات الفنية التي كان يشهدها
لبنان في هذ العيد، نظرا للنفقات
الكبيرة التي من الممكن أن تتكلفها
العائلة في المطاعم، وهذا ما يبرّر تماما غياب النشاطات الفنية الخاصة بهذه المناسبة داخل المطاعم التي اعتادت إقامتها قبل الأزمة.
وعوضا عن الحفلات الفنية، فقد شهدت القرى والبلدات تجمعات داخل نوادي البلدات العائلية للأمهات، إذ أقيمت "الصبحيات"، إنّما ما كان لافتًا، هو أن هذه الجمعات كانت على حساب الأمهات، بمعنى أن أغلب الجمعيات التي دعت لإحياء المناسبة طلبت من الأمهات تحضير وصفة طعام حسب القدرة، لتتشارك الامهات في صبحية "بسيطة" إحياءً لهذا العيد.
بالتوازي، لم يعد الذهب خيارًا تلقائيًا عند البحث عن هدية مميزة لعيد الأم في
لبنان، فمع تجاوز سعر الأونصة 3000 دولار، باتت متاجر الذهب تشهد حالة غير مسبوقة من الركود. هذه الأزمة ليست وليدة اللحظة، لكنها تفاقمت بشكل واضح هذا العام، حيث يؤكد إبراهيم صقلي، صاحب أحد متاجر الذهب لـ"لبنان24" أن المبيعات تراجعت بنحو 45% مقارنة بعيد الأم في العام الماضي.
ويعزو صقلي هذا الانخفاض إلى عاملين أساسيين: الأول هو الارتفاع الحاد في أسعار الذهب عالميًا، والذي انعكس بشكل مباشر على السوق المحلية، والثاني هو التدهور المستمر في القدرة الشرائية للبنانيين، حيث بات معظم المواطنين عاجزين عن تخصيص مبالغ كبيرة للهدايا، في ظل أولويات معيشية أكثر إلحاحًا.
أضاف:" في السابق، كان الذهب هدية شائعة في عيد الأم، تعبيرًا عن الامتنان والتقدير. لكن اليوم، ومع الغلاء الذي يطال مختلف جوانب الحياة، يضطر الكثيرون للبحث عن بدائل أقل كلفة، مثل الهدايا الرمزية أو حتى الاحتفاء بالأمهات بطرق غير مادية. وبذلك، فقد الذهب بعضًا من رمزيته في هذه المناسبة، إذ لم يعد خيارًا متاحًا للجميع، بل رفاهية محصورة بفئة محدودة من المجتمع".
في المقابل، لا يقتصر التأثير السلبي على المستهلكين فقط، بل يطال أصحاب متاجر الذهب الذين يعانون من تراجع المبيعات، ويواجهون تحديات في تصريف بضاعتهم وسط هذا الجمود الاقتصادي. ومع استمرار الأوضاع الاقتصادية الصعبة، يبدو أن مشهد الأسواق في عيد الأم سيبقى مختلفًا، حيث يحلّ التقدير المعنوي محل الهدايا الثمينة، ويبقى العطاء الحقيقي في مكان آخر، في قلب كل أم لا تزال تنبض حبًا رغم كل الأزمات.