تعمل أوساط ديبلوماسية على بناء مرحلة جديدة من التعاطي مع الساحة اللبنانية تقوم على عدّة ثوابت خصوصاً بعد الحرب الكبرى على لبنان والتي برأي غالبية القوى الدولية والاقليمية أضعفت "حزب الله" وفرضت عليه انفتاحاً على مستويات جديدة من التفاهمات.
اولى هذه الثوابت التي يتعاطى على اساسها المجتمع الدولي مع الساحة اللبنانية هي مسألة الاستقرار، إذ من الواضح أن قرار إرساء الاستقرار بات عابراً لكل الدول، ولبنان يبدو حتى هذه اللحظة خطاً أحمر لا مجال لخلق أي نوع من أنواع الفوضى فيه سواء كانت أمنية أو سياسية. لذلك نرى اهتماماً واضحاً بالملف الرئاسي وسرعة إنجازه بمعزل عن التفاصيل وتمايز هذه الدولة عن تلك، الا أن القرار حاسم بضرورة الاستقرار ولا عودة عنه.
الثابتة الثانية هي عدم الذهاب مجدداً الى أي تصعيد عسكري مع اسرائيل أقلّه في السنوات المقبلة، وهذا الأمر يحتاج الى جهد ديبلوماسي ودولي مضاعف ليس مع لبنان فقط وإنما أيضاً مع إسرائيل، لذلك من المتوقّع أن تلتزم اسرائيل بمترتّبات تطبيق القرار 1701 بعد انتهاء مهلة الستين يوماً وأن تتوقف بالتالي كل خروقاتها الحاصلة.
ترى مصادر سياسية مطّلعة أن عودة الحرب الاسرائيلية على لبنان سواء بهجوم من "حزب الله" أو بذرائع من اسرائيل لم يعد وارداً على الإطلاق، إذ ثمة ارادة سياسية دولية لوقف الحرب نهائيًا في لبنان على ان ينسحب الأمر كذلك على غزة لاحقا. وتضيف المصادر أن مسألة وقف إطلاق النار في لبنان ليست مرتبطة بالقرار الدولي وحسب وإنما أيضاً بواقع يؤشر الى استحالة اندلاع الحرب من جديد، حيث أن العدوّ الاسرائيلي لم يعد يملك أي ذرائع أو مبررات امام المجتمع الدولي الذي اعتبر في مرحلة فائتة أن عدوان اسرائيل هو دفاع عن النفس ضدّ هجوم "حزب الله".
ولفتت المصادر إلى أنه لا مصلحة لدى "الحزب" بشنّ أي ضربات مباغتة على اسرائيل سيما بعد عودة الاهالي الى مناطقهم وقراهم وبدء مسار الإعمار، اضافة الى ذلك فإن الحرب على غزّة قد شارفت على نهايتها ما يؤكد اكثر عدم اندلاع الحرب مجددا.
وبالعودة الى الثوابت، فإنّ الاميركيين لا يبدون رغبة بإقصاء "حزب الله" عن المشهد السياسي اللبناني، لأنّ هذا الإقصاء من شأنه أن يولّد نوعاً من الغضب داخل الحزب وقاعدته الشعبية قد ينتج عنه ردود فعل ومسارات لا مصلحة لأحد بها، ولعلّ الظروف اليوم تشكّل فرصة ملائمة لتجنب هذه المسارات وإقناع "الحزب" بالتركيز على الداخل اللبناني وتعزيز حضوره في المشهد السياسي.
وتعتقد المصادر أن كل هذه التفاصيل التي يمكن البناء عليها مرهونة بتطورات الساحة السورية التي ليست مضبوطة من أي طرف اقليمي ودولي على الاطلاق، وأن كل الاحتمالات في الداخل السوري لا تزال مفتوحة ولا يمكن بشكل أو بآخر تحديد طبيعة المسار في المرحلة المقبلة والنتائج الخارجة عنه، لذلك فإن الحراك السوري ونتائجه وتردداته سيكون لها دور كبير في تحديد واقع الساحة اللبنانية.